person holding an american flag

جرائم بمباركة الدستور.. الأمريكيون وثقافة التسلح

Read Time:4 Minute, 5 Second

آمال الزاكي

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ ليلة سعيدة…. اليوم ستموتون جميعًا»بهذه الكلمات ودع مسلح مدرسة روب الابتدائية في يوفالدي بولاية تكساس الأمريكية ضحاياه، قبل أن يجهز عليهم ببندقيته، حاصدًا وراءه أرواح 13 شخصًا، من بينهم 11 طفلًا، في واحدة من أبشع جرائم القتل التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات.

جملة لا زالت تتردد على مسامع ميا، إحدى ضحايا الحادث الأليم، والتي حكت في لقاء غير مصور تفاصيل الدقائق الأخيرة لزملائها في الصف، مشيرة إلى أن لجوءها لتلطيخ نفسها بدماء زميل لها كان السبيل إلى النجاة.

شجاعة ميا دفعتها إلى البحث بين الجثث عن هاتف مدرستها للاتصال بالشرطة لطلب النجدة، لكنها لم تحمها من المضاعفات النفسية للحادث، حيث إن الصدمة أثرت بشكل كبيرة على الطفلة ذات الـ11 سنة التي تعاني اليوم من تساقط كثيف لخصلات شعرها بعد الحادث.

هذا الحادث الأليم، وعلى غرار حوادث إطلاق النار التي نسمع بها هنا في أمريكا، يطرح مجموعة من الأسئلة عن مدى وعي المشرع الأمريكي بخطورة الأمر، وما دور الشرطة بمعادلة الأمن في بلاد يعتبر فيها المواطن أن له الحق الكامل في الدفاع عن نفسه باستخدام السلاح، خاصة عندما تكتشف أن تزايد معدل الجريمة في البلاد بات يدق ناقوس الخطر، وأن أرقام مالكي الأسلحة ترتفع سنة بعد أخرى، في وقت بات الكثير من الآباء يخافون إرسال أطفالهم إلى المدارس.

التسلح.. حق دستوري

لعل السؤال الأهم الذي يطرح نفسه: هل يمكن لأمريكا تعديل دستورها، وسن قانون يحظر حيازة الأفراد للسلاح على غرار بلدان أخرى؟

ينص التعديل الثاني من الدستور على أحقية المواطنين في امتلاك الأسلحة؛ إذ نص على أن «وجود مليشيات منظمة ضروري لأمن أية ولاية حرة، هذا ولا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها»، وهو الأمر الذي يعتبره داعمو حيازة السلاح، حقًا مقدسًا على اعتبار أنه يمنح كل مواطن أمريكي حرية الدفاع عن نفسه أمام كل تهديد محتمل باستخدام السلاح، شريطة ألا يقل عمره عن 18 سنة في بعض الولايات، في حين لا تحتكم ولايات أخرى إلى شرط السن القانوني، حيث إن موافقة ولي الأمر تضمن للقاصر الحصول على سلاح ناري وذخيرة.

وفي الوقت الذي يدور فيه النقاش عن ضرورة قراءة النص القانوني في سياقه التاريخي، وما إذا كان التعديل يعنى بحق المواطنين كأفراد حيازة السلاح أم أن الأمر يتعلق فقط بالميليشيات المنظمة أي ما يمثل الجيش وأفراد الشرطة، ينقسم الشارع الأمريكي إلى فريقين، بين من يطالب بسن قوانين صارمة تقيد حرية التسلح بالبلاد، التي يمتلك 44٪ من سكانها أسلحة نارية، حسب أرقام مؤسسة غالوب الأمريكية، ومن يعتبر أي تشريعات في هذا الجانب مساسًا بحق دستوري مقدس.

الأسلحة النارية.. ثقافة متجذرة عند الأمريكيين

تجسد الأسلحة النارية عنصرًا مهمًا في الثقافة الأمريكية، ومصدر فخر لمعظم الأمريكيين الذين، سواء ارتبط استخدامه بالصيد أو الدفاع عن النفس، يرون أن حيازته حرية يكفلها الدستور. ولعل فكرة حمل السلاح للدفاع عن النفس ليست وليدة اليوم، وإنما هي قناعة راسخة في العقلية الأمريكية منذ قرون، جاءت نتيجة مجموعة من العوامل على رأسها الخوف، الميز العنصري، والتسويق الجيد للأسلحة.

بقراءتك للتاريخ الأمريكي تجد أن ثقافة الأسلحة اقتصرت على فئة قليلة من المواطنين الذين كانوا قادرين على شراء السلاح نظرًا لسعره المرتفع حينها، إلا أن امتلاكه بات ضرورة ملحة بعد انتهاء الحرب الأهلية سنة 1865، حيث إنه ونظرًا لفائض الإنتاج في هذه الصناعة، لعب تجار الأسلحة على وتر الخوف للترويج لبضاعتهم، خاصة مع تزايد عمليات التنقيب عن الذهب في ولاية كاليفورنيا، واشتداد النزاع على المناطق الحدودية مع المكسيك، والتوسع في الغرب الأمريكي، ما خلق حالة من الرعب لدى الأمريكيين دفعهم إلى التسلح لحماية أنفسهم من كل تهديد محتمل.

لوبي الأسلحة ومتلازمة الخوف

منذ تأسيسها سنة 1871، لعبت الرابطة الوطنية للبنادق دورًا مهمًا في الدفاع عن حق حيازة السلاح بالبلاد، حيث باتت تشكل، منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، قوة ضاغطة لا يستهان بها، نتيجة وقوفها أمام مجموعة من القوانين التي كان من شأنها تأطير شراء وحيازة السلاح بالولايات المتحدة.

عملت الرابطة طيلة العقود المنصرمة على تقوية مكانتها وحضورها في الساحة السياسية، فحرصت من خلال جناحها السياسي المتمثل في معهد العمل التشريعي على كسب المشرعين الأمريكيين في صفها، عبر تمويل حملاتهم الانتخابية، وبالتالي ضمان عدم تمرير أي قانون يعارض مصالح صانعي الأسلحة.

وعلى غرار ما قام به مروجو الأسلحة قبل قرن ونصف، استغلت الرابطة مرة أخرى على عامل الخوف، وروجت لفكرة أن الحكومة الفيدرالية معادية لتجارة الأسلحة، وستعمل من خلال قوانينها على حرمان الأمريكيين من حقهم في حيازة السلاح، وهو ما جعل هؤلاء في سباق مع الزمن من أجل التسلح، حيث تشير الإحصائيات الأخيرة إلى ما يزيد عن 390 مليون سلاحًا مملوك من طرف الأمريكيين، بمعدل 120 سلاحًا لكل 100 مواطن.

اليوم، ومع أزيد من 5 ملايين عضو بالرابطة، وملايين آخرين من مناصريها، بات تمرير قوانين مقيدة لحيازة السلاح أكثر صعوبة بالولايات المتحدة، حيث إنه وبعد كل حادث إطلاق نار، ترتفع أصوات المطالبين بالتغيير، إلا أن هذا المقترحات المقدمة لا تتطرق إلى أصل المشكل، وهو التعديل الثاني من الدستور.

فحتى لو تم تمرير قانون يقنن هذه التجارة، إلا أن الأسلحة لا تزال في متناول المواطنين الذين، وإن كانوا يتوفرون على شروط شراء وحيازة السلاح، إلا أنه لا يمكن التنبؤ بمتى يمكن أن يتحول مالك سلاح إلى قاتل.

ساسا بوست

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %
children standing next to manual water pump Previous post تعزيز القبضة الطائفية في الهند
Next post افتتاح شركة ومركز مجتمعي ومطعم في حي De Hoogte في خرونينغن