سوريا المنهكة والمثقلة بالهموم لمصيرها المجهول

ابراهيم عطا.كاتب فلسطيني

شكل الثامن من كانون الاول (ديسمبر) ٢٠٢٤ منعطفا كبيرا في تاريخ سوريا الحديث وكان يوما عظيما مليئا بالفرحة والابتهاج للغالبية العظمى من السوريين بعد السقوط المدوي والمفاجيء لنظام الأسد، الا انه كان يوما يشويه القلق والخوف على مستقبل سوريا بالنسبة للكثيرين ممن كانوا يرون الصورة البانورامية الاشمل لهذا الحدث الكبير، فمشاهد الاحتفالات الجماهيرية الواسعة والهتافات والتكبيرات الصادعة لم تحجب مشاهد تقدم الاحتلال الصهيوني والتدمير الممنهج لكل المؤسسات السورية بدئا بالعسكرية والعلمية مرورا بالسجلات المدنية ولن يتوقف عند اغتيال العلماء والخبراء حتى يطال كافة القطاعات الحيوية…

سقط الاسد وترك سوريا المنهكة والمثقلة بالهموم لمصيرها المجهول، الا ان الصهاينة لن يتركوا سوريا الجديدة تقرر مصيرها وتنعم بالسلام والاستقرار لان هدفهم لم يكن يوما التخلص من نظام الاسد، انما السيطرة على سوريا نفسها والتحكم بمصيرها من خلال تحويلها تدريجيا الى “ضفة غربية” جديدة من اجل العمل لاحقا على تحقيق حلم “اسرائيل الكبرى”…

فبعد هزيمة ايران وروسيا في سوريا، انتقل مصير اعرق دولة عربية الى يد تركيا التي لا تكشف عن اطماعها الحقيقية في الجمهورية العربية والى العدو الصهيوني الذي لا يخفي تطلعاته لاحتلال ما امكن من الاراضي والمواقع الاستراتيجية وتدمير سوريا العريقة كدولة ومؤسسات…

المتوقع لسوريا هو أن يتكرر السيناريو العراقي والليبي والسوداني، ففي العراق وبعد شيطنة الدكتاتور بالحديث عن اسلحة كيماوية وسجون وتعذيب جاء الغزو الامريكي ودمر الاسس والمؤسسات وزرع الفتنة والاقتتال والانقسامات وقام بارتكاب فظائع لا تقل بشاعة عن تلك المرتكبة من قبل النظام (سجن ابوغريب ومئات الالاف من القتلى والمفقودين). وفي ليبيا والسودان وبعد شيطنة القذافي والبشير والتخلص منهما اندلعت الحرب الاهلية وسقطت المؤسسات وعمت الفوضى والانقسامات وما تزال حتى اليوم…

ولكن هناك من لم ير من كل هذا المشهد المعقد سوى صور سجون النظام الرهيبة، وعلى رأسها السيء الصيت “صيدنايا”، التي تدمي القلب وتبكي الحجر وتفتح ملفات التعذيب والقتل لعشرات السنين، ولكن نقول لهم ان هذه السجون موجودة في اغلب دولنا العربية ومنها ما يعمل بعلم وتعاون من الغرب المتحضر ويدار بمساعدة اجهزته…

واذا كان لا بد من الاعتراف اننا شعرنا ببعض الاطمئنان عندما رأينا هذا التحول واللنتقال الهادئ حيث تمت السيطرة على الاوضاع وتوقفت عمليات النهب والتخريب والانتقام، لكننا لا ننسى أن من دخل دمشق “محررا” هو ابن القاعدة والبيئة الداعشية التكفيرية التي صنعها الغرب والصهاينة انفسهم، مهما غير من شكله وإسمه وحسن من صورته، وان هذه التنظيمات المشبوهة ليست مستعدة لتقبل الاخر وحرية الرأي والتعبير، اي اننا سنبقى في المربع الاول…

وفي النهاية ندعو الله أن يحمي الجمهورية العربية السورية ويوفق شعبها بكافة فئاته وطوائفه في إعادة البناء ولم الشمل لتبقى سوريا ذخرا وسندا للقضية الفلسطينية… وجمعة طيبة لكل الاحبة…ابو انس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post تكاليف دعم المعاش التقاعدي التكميلي
Next post جلسة حوارية بعنوان: “الإعلاميون وحقوق الإنسان بين الحرية والمسؤولية”