الهروب إلى النور

Read Time:3 Minute, 41 Second

..ماجدة تقي

شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_ذكرياتي … ليتها كانت من ورق ..لأحرقتها حتى لا تعود إلَّي أبداً لكنها واقع لا أستطيع إحراقه وجزء مني لا يفارقني وأسعى إلى فراقه ..يحرق قلبي … أتألم .. أصرخ ومهما صرخت تؤلمني الصرخة وتجعل منى إنسانة تعيش آلام الناس في زمن افتقد فيه الإنسان الشعور حتى بنفسه ذكرياتي دفعتني أن أصرخ في أحرف و كلمات وأكتب ..جعلت مني إنسانة لها قلب يموت كل ليلة ويلحق بمن ماتوا قبله ..تلك العبارات قالتها لي امرأة أثناء ساعات السفر …في رحلة طويلة جلست بجواري ..المشوار طويل بطول العمر تخلله أحرف دامعة اخترقت قلبي وأنا أصغي لها وأتأملها في صمت ..
تابعت سردها لي : ذلك الضرير الذي تزوجته ..مدرس بمدرسة المكفوفين ..أخفق في العزف على احساسي به رغم ادعائه إجادته للعزف على العود ..يستشعر في ذاته أنه فنان .على أنني لم أستمع إليه عازفا إلا مرات قليلة ..تتابعت انفاس المرأة ثم صمتت وانسابت على وجنتيها الدموع :

  • ماذا هناك ..اهدئي قليلا !!
    وفي نبرة مترددة اجابت :
  • في بداية زواجنا سألني إن كنت أجيد الغناء ..غني لي وانا اعزف لك …
    غنيت جفنه علم الغزل لعبد الوهاب وانطلق من بين أصابعه لحنا شاذاً وبدا عليَّ الامتعاض ورفضت مواصلة الغناء الا بعد انتهاءه من العزف غضب كالثور الهائج وضربني بالعود على وجهي ومن وقتها بقي العود في بيتي شاهدا على الحادث ..قطعة ديكور أصالح بها قلبي وأزين بها بيتي وأغني لنفسي ولأمل مازلت أتوق إليه ..
    بين آهةٍ وآهة واصلت المراة حديثها المبلل بالدموع :
    لم يولد ضريرا وإنما كف بصره بعد أن أصيب بالجدري في طفولته .ليبرز التناقض الغريب بين اسمه وبين واقعه فلم يكن لجمال نصيبا من اسمه بعد أن ترك المرض حفراً وندوباً في وجهه
    ..أنا متوسطة الجمال كنت ولم أكمل تعليمي بالقدر الكافي لألتحق بالعمل ومازال العمر يجري بي ..كنتُ في سباق مع الزمن وقد تقدم بي العمر وشبح الانوثة يحدق بي كل ليلة تمر ..حتي يئست من الحلم أن أكون زوجة وأم . .. ويتراءى لي طيف جمال ..فارس جاء من وراء الغيب ليجدد أحلامي ويحقق لي ما حلمت به ..كم تمنيت أن أكون أماً ..أقنعني والدي بالقبول بعد تردد وفرص الزواج في عائلتنا قليلة ، نحن من أسرة فقيرة والعنوسة شيء بغيض ومازلت في سن العشرين وجمال في الاربعين فارق كبير في العمر فلم نجتمع على شيء أو نتفق ..اناني ..يستشعر النقص في ذاته كما يستشعر الكمال كلما انتقص مني وحط من قدري وهو يرميني بكلمات من نار تحرقُ مشاعري كأنثى يلعن ويشتمني قائلاً: لو التفت إليك المبصرون ما جئت اليَّ في بيتي يردد ذلك رغم قبحه لكنه لا يري نفسه .. استطردت المرأة وتابعتْ قولها وأنا أستمع إليها في ذهول :
    حين نجلس للطعام ينتابني شعور بالقرف من طريقة أكله والطعام يتساقط على ذقنه وملابسه وهو يلوك الطعام بصورة مقززة ليست من فعل البشر فضلا عن إهماله في ملابسه وقذارته الشخصية ..بدأت أبتعد عنه نفسيا وتحولت مشاعر الشفقة نحوه إلى كراهية وامتنعت عن الطعام معه وتذرعت برائحة الطعام التي تسبب ليَّ الغثيان بسبب الحمل ..اعتدت على خدمته على مضض لتمضي حياتي مملة بطيئة أتذوق فيها طعم الفقر وأولادي الثلاث من حولي أحاول تدبير اجرة البيت الذي يأوينا من حرفة تعلمتها منه ..تنجيد كراسي القش حرفة تكفي مصروفات البيت بالكاد ..بيت لا تدخله الشمس ..ولا تدخله السعادة .حاولت الهروب من حياتي بالطلاق لكن الطلاق مكروه في عائلتنا فالمرأة لا بيت لها إلا بيت زوجها ولو كان جمال !! لازلت أعيش في عذاب ..
    كثيرا ما تمنيت الموت للخلاص من هذا الكابوس فكلما دعاني لفراشه أشعر أني أغتصب ونتيجة ذلك بدأ يشك في خيانتي له ويسأل أطفالنا من أتى لزيارتنا أثناء غيابه ومن ذهب وهل خرجت من البيت ومع من تكلمت … أم سامر الوحيدة التي تدخل بيتنا لتحصيل أجرة البيت فنشأت بيننا صداقة بعد أن صرحت لها بما أعانيه مع زوجي ..وانشغلت بتربية الأولاد ونسيت نفسي …مات جمال بعد أن أمات في نفسي كل إحساس بالحياة مع رحلة عذاب مريرة في خدمته لصراع عنيف مع مرض خبيث أصابه….حياة الفقر لم تغادرني حتى بعد زواج أبنائي وانشغال كل منهم بحياته الخاصة وبقيت بين جدران أربع ، أفكر بحياتي وأيامي المقبلة أ-أنتظر الموت أم أبدأ حياة جديدة ..اشتريت كمبيوتر لأتواصل مع أولادي بما توفر لي من نقود من عملي ..علمتني ابنة الجيران كيف أكتب وتواصلت من خلال النت مع آخرين ..ومنهم أبنائي ونادرا ما يحدث ويتكلمون معي ونشأت من خلال النت لي صداقات كبيرة واستهوتني الكتابة ومن خلال الحروف والكلمات التقت أناملي وتعلقت روحي بروح تشكو مثلي الوحدة ، أغرم بي قبل أن يراني وبعد أن تجاوزت الستين من عمري عاد قلبي للحياة ليدق ويهتف باسم من يحب ..طلبني للزواج وأنا الآن في الطريق إليه .. تركت خبراً مع جارتي أم سامر إن لم أعد خلال شهر فلن أ عود .. طريق الأمل مازال ممدودا وطريق النور يناديني
  • شبكةالمدارالإعلامية الأوروبية…_
Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %
Previous post من قصيدة تدعو للتصوف إلى “تريند”.. قصة كلمات أغنية “شويخ من أرض مكناس” التي تعود إلى أكثر من 700 سنة
bridge and groom standing while holding flower bouquet Next post الشباب المسلم والزواج من بلجيكية