مخاطر الخطاب الإسلاموي واليميني المتطرف على الأمن المجتمعي

Read Time:8 Minute, 15 Second

إعداد: داليا عريان

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_يبدو أن معطيات المشهد الدولي من اشتداد المعارك بين كييف وموسكو على الأراضي الأوكرانية، وتصاعد الأحداث بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، وغياب التفاوض عن حربي أوكرانيا وغزة، إضافة إلى وجود توترات بين الغرب وروسيا والصين والولايات المتحدة، تضع أوروبا بشكل عام وهولندا بالتحديد في تحدي جديد لتصاعد الخطاب المتطرف من جانب الجماعات الإسلاموية والتيارات اليمينية المتطرفة أيضاً، واستغلال هذه الجماعات المناخ السياسي العام، وانشغال الدول الكبرى عن مكافحة التطرف، لتعزيز نفوذها داخل المجتمع الهولندي.

واقع الإسلام السياسي والجماعات الإسلاموية

يعد المسلمون أكبر أقلية أجنبية في هولندا، وتقدر أعدادهم ما بين (6-8%) من سكان هولندا، لذا تستغل الجماعات الإسلاموية هذه النقطة من أجل إيجاد مساحة خاصة لها ونشر أفكارها المتطرفة، تحت ستار تأسيس هيئات ومراكز لتقديم التعاليم الدينية وطقوس الصوم وحفظ القرآن والحج، ومتابعة الجانبين المجتمعي والثقافي بنشر الكتب وتوفير فرص التدريب لصقل المهارات في مجالات العمل المختلفة. إن تاريخ الإسلام السياسي في هولندا يعد حديثاً على عكس حال هذا التيار في باقي دول أوروبا، وتزامن مع ظهور الجيل الثاني من جماعة الإخوان بأوروبا في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وتوظيفها لموجات الهجرة من المنطقة العربية. ومنذ عام 1996 بدأت الجماعات الإسلاموية وفي مقدمتها الإخوان في التغلغل داخل المؤسسات المجتمعية والمساجد. واستغل الإخوان العلاقات مع حزبي العمل واليسار الأخضر، واخترقوا رابطة “المجتمع المسلم” في لاهاي والتي تضم بداخلها منظمة “اليوروب تراست نيديرلاند” و”هيئة الإغاثة الإسلامية” و”المعهد الهولندي للعلوم الإنسانية” و”مركز السلام الإسلامي الثقافي” و”مركز الوسطية”.

تشير التقديرات إلى سيطرة الفكر الإخواني على (60%) من المساجد في هولندا والتي تقدر أعداها بنحو (453) مسجداً، ويتبع الإخوان في أمستردام “المسجد الأزرق” و”الحزب الإسلامي الإقليمي” و”حزب دينك” و”حزب نداء الإسلامي” الذي استطاع خوض انتخابات المقاطعات شمال هولندا في مارس 2019. وسيطر قيادات من الإخوان مثل “محمد عكاري” و”إبراهيم عكاري” و”نور الدين العوالي” و”علي أزوزي”، على أحزاب وكيانات اقتصادية في مجال العقارات في أمستردام وروتردام ولاهاي، كبوابة لنشر نفوذهم داخل المؤسسة الحكومية والدينية.

أشار البرلمان الهولندي في يونيو 2020، إلى أن عدد من المساجد والمنظمات الإسلامية مدعومة مالياً من بعض الدول الخارجية التي تمارس تأثيراً عليها، ويتراوح الدعم المالي للمسجد الواحد ما بين (10) آلاف من اليورو إلى الملايين. وشدد على أن تلك الدول تنشر تعاليم أصولية عبر تمويل وتأسيس مدارس ومؤسسات غير رسمية وإرسال دعاة لإدارة المساجد بهولندا.

الخطاب الإسلاموي المتطرف

‏قبل بداية الحرب الأوكرانية في 24 فبراير 2022، انخفض مؤشر الإرهاب في هولندا وتراجع مستوى التهديد من (4) إلى (3). وعادت المخاوف بشأن انتشار الخطاب الإسلاموي المتطرف بين المؤسسات الدينية والمجتمعية وعبر شبكات الإنترنت في يونيو 2022، بالتزامن مع زيادة التهديد لشن تنظيم “داعش” هجوماً على أوروبا وتحديداً هولندا التي وقعت هدفاً للجماعات المتطرفة، نظراً لانتشار حوادث حرق القرآن وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، واستغلت الجماعات المتطرفة هذه الحوادث لدعوة المؤيدين لفكر داعش عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتنفيذ هجمات داخل هولندا وضد مصالح هولندية في الخارج.

تعتمد الجماعات الإسلاموية على شبكات صغيرة وكبيرة منتشرة في المدن الكبرى بهولندا، ورغم أن هذه الشبكات منقسمة أيدلوجياً واجتماعياً، إلا أنها على تواصل دائم لتبادل الأفكار. وأوضح تقرير صادر عن المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب والأمن (NCTV)في 30 مايو 2023، تصاعد الخطاب المتطرف والتهديدات الإرهابية في الأشهر الـ (6) الماضية، محذراً من ارتكاب مجموعات صغيرة أو أفراد أعمال عنف.

استغلال حرب غزة من قبل الجماعات المتطرفة

‏رفع المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب والأمن مستوى التهديد من (3) إلى (4) في 12 ديسمبر 2023، وأشار إلى أن التهديد الإرهابي متزايد، نظراً لانتشار الخطاب المتطرف من قبل الجماعات الجهادية التي أعلنت استعدادها لارتكاب هجمات إرهابية في أوروبا، جراء تأزم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ أكثر من (7) أشهر، وحوادث حرق القرآن في أوروبا مؤخراً، واستخدمت تنظيمات مثل داعش والقاعدة حرب غزة، لكسب متعاطفين معها لتنفيذ هجمات، ورصدت السلطات الهولندية حوادث فردية تستهدف اليهود في بعض الأحياء، وفي 27 مارس 2024 وصفت (3) سيدات، سيدة يهودية بـ “قاتلة أطفال” عقب انتشار منشورات بالمنطقة تشير إلى أن أبنة السيدة جندية إسرائيلية.

واقع اليمين الشعبوي

‏أصبح للتيار اليميني المتطرف وجوداً في المشهد السياسي، بعد تأسيس خيرت فيلدرز حزب الحرية (PVV) في 2006، ومشاركته في الانتخابات البرلمانية لأول مرة في يونيو 2010، ما جعل الحزب ثالث أكبر قوة سياسية في هولندا. وحصل حزب “منتدى من أجل الديمقراطية FvD ” اليميني على مقعدين بمجلس النواب الهولندي بعد فوزه بنسبة (1.8%) من الأصوات في الانتخابات العامة لعام 2017، وفاز بـ (16%) من أصوات الناخبين في انتخابات المقاطعات لعام 2019، ليصبح بعدها أكبر حزب في مجلس الشيوخ، وأكبر حزب من حيث العضوية في هولندا. وحققت الأحزاب الشعبوية ذات التوجهات اليمينية رقماً قياسياً في انتخابات 2021، بالحصول على (16%) من الأصوات.

فاز حزب الحرية بالانتخابات في نوفمبر 2023، بحصوله على (37) مقعداً في البرلمان المكون من (150) مقعداً، وخلال حملته الانتخابية تعهد الحزب بفرض حظر على المساجد والحجاب والقرآن، وردد زعيم الحزب خيرت فيلدرز شعار “مسلمين أقل في هولندا”. وفي 17 مايو 2024 اتفق خيرت فيلدرز على تشكيل ائتلاف حكومي مع حزبين يمينيين وحزب ليبرالي لأول مرة. ويعرف عن فيلدرز بمواقفه المتشددة من المسلمين واليهود، لذا أشار تقرير في 30 مايو 2024، إلى أن التطرف اليميني أكثر انتشاراً ولا يمكن التنبؤ به في السنوات الأخيرة، وتشكل أقلية منه تهديداً عنيفاً، وجزء آخر يعمل على تطبيع أفكاره المتعصبة والمتطرفة في المجالين الاجتماعي والسياسي. وتوغل الخطاب المتطرف المعادي للأجانب على مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة ما بين نهاية 2023 وحتى مايو 2024.

حوادث متطرفة

‏24 يناير 2023: مزق زعيم حركة “أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب بيغيدا” نسخة من القرآن في لاهاي.

19 أغسطس 2023: أقدم ناشط هولندي ينتمي لحركة “بيغيدا” اليمينية المتطرفة على تمزيق نسخة من القرآن خلال مظاهرة أمام السفارة التركية في لاهاي.

13 يناير 2024: اعتزم متطرفون يمينيون حرق نسخة من القرآن بشكل علني في أرنهيم.

مخاطر الخطاب المتطرف على المجتمع

‏يتسبب الخطاب المتطرف اليميني والإسلاموي على شبكة الإنترنت وفي المؤسسات الدينية والمجتمعية، في زيادة الانقسام داخل المجتمع الهولندي، ويؤثر على عملية اندماج المسلمين في الحياة السياسية والفعاليات المشتركة، لمعاناة فئات كثيرة من الجالية المسلمة في هولندا من صعوبة التأقلم مع باقي الثقافات. ويزيد من حالة الكراهية وحوادث العنف ضد اليهود والمسلمين، ما يؤثر سلباً على النظام القانوني الديمقراطي، ويغذي حالة انعدام الثقة في الحكومة ومؤسسات الدولة، خاصة مع صعود أحزاب يمينية متطرفة إلى السلطة وتصاعد خطابها المعادي للسامية والمسلمين. وأكدت المخابرات الوطنية الهولندية في 23 أبريل 2024، أن التهديدات التي تستهدف هولندا ترتبط بشكل متزايد بالاضطرابات العالمية وفي مقدمتها حرب غزة، منوهة إلى أنها أحداث تثير المتطرفين بعد حوادث حرق القرآن في 2023.

تدابير حكومية

– أوقفت السلطات الهولندية في 26 يونيو 2023، شخصين بتهمة إرسال (5,4 ) مليون دولار إلى حركة حماس في خرق لعقوبات الاتحاد الأوروبي.

– قدم تقييم التهديد الإرهابي في هولندا “DTN ” معلومات تفصيلية عن حجم التطرف عبر الإنترنت، ما دفع جهاز مكافحة الإرهاب لرفع حالة التأهب لأعلى مستوى في ديسمبر 2023.

– تتبنى هولندا استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب للفترة (2022- 2026) بالتنسيق بين الوكالات الاستخباراتية والأجهزة الأمنية، لمحاربة التطرف مجتمعياً من الداخل، ورصد كافة حالات التطرف، وتتولى وحدة الاستخبارات المالية الهولندية مكافحة غسيل الأموال وفقاً لقوانين منع تمويل الإرهاب.

– وضعت وزارة العدل والأمن الهولندية والمنسق الوطني لمكافحة الإرهاب، في أكتوبر 2023، استراتيجية وطنية لمكافحة التطرف للفترة من (2024-2029) استكمالاً للاستراتيجية السابقة، لحماية النظام القانوني ومكافحة تجاوزات التطرف.

– أجرت البلديات في مايو 2024، مشاورات لاتخاذ تدابير لمنع أن يصبح الإنترنت بيئة محفزة لخطاب الكراهية، عبر محاسبة المنصات التي لا تتعامل مع القنوات الدولية، وحظر المتحدثين المتطرفين عبر الإنترنت ومنع دخولهم إلى هولندا.

المعالجات

– تسريع إجراءات اندماج المسلمين في المجتمع الهولندي، بإتاحة فرص العمل والمشاركة في الفعاليات العامة، ما يضع حداً لمحاولات اليمين المتطرف والجماعات الإسلاموية في نشر الكراهية.

ـ نشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي داخل المجتمع الهولندي وقبول الأخر، ضمن سياسات التكامل الأجتماعي. وزارة الداخلية الهولندية مطلوب منها أيضاً الأنفتاح على الجاليات أو الأقليات وأن تكون هناك مناسبات ومنتديات للتعريف بثقافاتهم.

– متابعة شبكات الإنترنت وطبيعة المحتوى المنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل التطور التكنولوجي وانتشار الخطاب المتطرف عبر القارات، في ضوء الصراعات والحروب الراهنة في العالم.

– اتخاذ إجراءات أمنية استباقية لمواجهة أي محاولات للذئاب المنفردة، لشن أي هجمات محتملة داخل هولندا، في ظل استقطاب حاد للمتعاطفين مع فلسطين، وتباين وجهات النظر داخل المجتمع الهولندي بين مؤيد ومعارض لممارسات إسرائيل في غزة.

– تبني هولندا مقترحات بشأن وضع حد للتصعيد في أوكرانيا، ومنع امتداد الصراع إلى دول أوروبية أخرى، وإنهاء ظاهرة المقاتلين الأجانب الذي يشكلون خطراً على الأمن القومي الأوروبي بشكل عام.

– ينبغي أن تلعب هولندا دور حاسم داخل الاتحاد الأوروبي، للضغط لاتخاذ موقفاً فعالاً إزاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقطع الطريق على التنظيمات المتطرفة والجماعات الإسلاموية واليمينية المتطرفة، لاستغلال هذه الظروف السياسية العالمية لإعادة نشر أفكارها واستقطاب عناصر جديدة لها.

– التعاون بين هولندا وباقي دول الاتحاد الأوروبي، لمراقبة الحدود وعمل شبكات اليمين المتطرف والجماعات الإسلاموية عبر الإنترنت، ووضع حلول جذرية للأزمات الاقتصادية التي تستغلها هذه الجماعات لنشر أفكارها وجذب عناصر لصفوفها.

تقييم وقراءة مستقبلية

‏- يستغل اليمين المتطرف سوء الأوضاع الاقتصادية، ومعاناة بعض الطبقات الاجتماعية مثل العمال من تراجع الأجور والتفاوت الاجتماعي، لتوجيه انتقادات للحكومة وسياساتها ووضع نفسه كبديل لإدارة السلطة، وظهر هذا الأمر واضحاً في تصاعد أسهم اليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة، وحصوله على أصوات ناخبين جدد، ما يمثل خطورة على طبيعة القوانين والاستراتيجيات التي سيتم إقرارها وفقاً لرؤية الحكومة الجديدة، ما يرجح وجود خلافات واضحة داخل البرلمان والمؤسسات الهولندية بشأن ملفات الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية والهجرة وسياسات دمج الأقليات بالمجتمع.

– رغم أن نفوذ الجماعات الإسلاموية أقل من اليمين المتطرف في هولندا، إلا أن قوتها الحقيقية واستغلالها للفرص الراهنة من أحداث غزة، تحمل مخاوف لا حصر لها للمجتمع الهولندي، حيث تستفيد من وصول اليمين المتطرف للسلطة وعلاقة التخادم بينهما، لتمرير قرارات تخدم توغلها في المؤسسات الدينية والمجتمعية، وتسمح بجمع أموال من داخل وخارج هولندا في هيئة دعم للجالية المسلمة، ما يسمح لها بتعزيز وجودها بشكل راسخ في هولندا.

ـ تنامي ظاهرتا الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية من قبل اليمين المتطرف، يحدث انقساماً كبيراً في المجتمع الهولندي، وتصبح هولندا هدفاً للهجمات الإرهابية رداً على حوادث حرق القرآن واستهداف المسلمين، حيث تستغل الجماعات المتطرفة هذه الثغرات لحشد عناصر لها عبر الإنترنت.

ـ فوز حزب الحرية اليميني ومشاركته في تشكيل الحكومة المقبلة، يمنح اليمين المتطرف فرصة في الانتخابات الأوروبية في يونيو 2024، ما يشكل تهديداً ليس على الأمن القومي الهولندي فقط بل على أمن ووحدة الاتحاد الأوروبي ككل.

– المرحلة المقبلة ستكون مرحلة اختبار لقدرة المؤسسات الهولندية على مواجهة الخطاب المتطرف ومحاولات اليمين المتطرف لتقويض القانون والنظام الديمقراطي، ما يتطلب مراجعة كافة الأسباب الجذرية لصعود اليمين المتطرف على مدار الأعوام الماضية.

 المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات ECCI

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post مهرجان النهضة في بروكسل  
Next post الانتخابات الهندية: هل أصوات المسلمين مهمة؟