بقلم: [ربا رباعي/الاردن]
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_من يقرأ رواية «سارة» لعباس محمود العقاد، لا يقرأ قصة حب بين رجل وامرأة بقدر ما يقرأ رحلة فكرية عميقة غاص فيها صاحب العبقريات في أعماق النفس الإنسانية، ليجعل من المرأة رمزًا فلسفيًا وجماليًا تتجلّى من خلاله قضايا الفكر والعاطفة، والعقل والحرية.
فكر قبل العاطفة
لم يكن العقاد، بطبيعته العقلانية الصارمة، يكتب رواية للتسلية أو الغرام المألوف. فهو المفكر الذي يرى في الأدب وسيلة للفهم لا للزينة، لذلك جاءت «سارة» نصًا يفيض بالتساؤلات أكثر مما يقدّم الإجابات:
هل يمكن للحب أن يتّحد مع الفكر دون أن يذوب فيه؟
هل العاطفة تكمل العقل أم تجرّه إلى التناقض؟
أسئلة جعلت الرواية أقرب إلى مناظرة فكرية داخل الذات منها إلى قصة حب تقليدية
المرأة… رمز لا ملامح
لم يمنح العقاد بطلة روايته تفاصيل كثيرة. فـ«سارة» ليست امرأة من لحم ودم، بل فكرة متجسّدة، رمز لأنوثة مطلقة تجمع بين الجمال والغموض، بين الصفاء والمكر، بين الحضور والغياب.
هي المرأة التي تُغري العقل بالتأمل وتربكه بالدهشة. لذلك ظلّ البطل مأخوذًا بها لا ككائن، بل كـ تجربة وجودية يختبر من خلالها هشاشته وكبرياءه.
جدلية الفكر والعاطفة
في الرواية، يتصارع الرجل بين حرية الفكر واستقلال الإرادة من جهة، وجاذبية الحب وندائه العاطفي من جهة أخرى. إنه لا يريد أن يُستعبد بالحب، لكنه أيضًا لا يستطيع أن يتحرر منه تمامًا. وهنا تكمن عبقرية العقاد في تقديم الحب كمعركة داخل الإنسان:
معركة بين المنطق والإحساس، بين الكرامة والاحتياج، بين المثال والواقع.
رمزية تتجاوز المرأة
ليست «سارة» رمزًا للأنوثة فحسب، بل رمزًا للحياة كلها. فهي الجميلة التي تمنح، لكنها أيضًا التي تُؤلم. وهي في عمقها مرآة للذات الإنسانية حين تبحث عن توازنها بين الفكر والشعور، بين الروح والجسد.
من هنا يمكن القول إن العقاد جعل من المرأة رمزًا للوجود الإنساني بكل ما فيه من تناقض واتساع.
أسلوب يتجاوز السرد
لغة الرواية تحليلية، مشبعة بالتأملات والمونولوجات الداخلية، ما يجعلها أقرب إلى الاعترافات الفلسفية منها إلى البناء الروائي التقليدي. العقاد لا يروي الأحداث، بل يفكر من خلالها، ليحوّل السرد إلى مختبر للأفكار والتجارب الوجداني
خاتمة: المرأة بوصفها سؤالًا مفتوحًا
في النهاية، لا يقدّم العقاد جوابًا نهائيًا عن المرأة أو الحب. بل يتركنا أمام سؤال مفتوح، كأن «سارة» ليست إلا مرآة لكل قارئ يرى فيها نفسه هو، لا بطلتها.
إنها ليست نهاية حكاية، بل بداية تأمل طويل في جوهر الإنسان وعلاقته بالآخر
الفقرة النقدية: صدى «سارة» بين الفكر والأدب
رأى النقاد في سارة نصًا استثنائيًا في مسيرة العقاد الأدبية؛ فهو أول عمل أدبي يقترب فيه المفكر الكبير من تجربة الحب الشخصي، لكنه يحوّلها إلى تأمل فكري وفلسفي.
يرى بعض الدارسين أن الرواية تمثّل حالة نادرة من تداخل الفكر بالأدب، إذ تنقل إلى القارئ صورة العقل العربي وهو يحاور ذاته أمام سلطة العاطفة.
بينما ذهب آخرون إلى أن العقاد، رغم عمقه الفلسفي، ظلّ أسير رؤيته العقلانية للمرأة، فلم يمنحها في الرواية صوتًا مستقلًا، بل جعلها «رمزًا للعقل في مواجهة الغريزة».
وهكذا تظل «سارة» عملًا مفتوحًا على قراءات متعددة: فهي عند البعض رواية فكرية عن الحب، وعند آخرين تجسيد لصراع الإنسان مع ذاته. وبين الحالتين، يبقى العقاد في «سارة» مبدعًا يُفكّر بعمق العالِم، ويشعر بقلق العاشق.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
