رياض وطار كاتب واديب جزائري
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_في زمنٍ تهيمن عليه الأعمال الكوميدية والاجتماعية، يأتي فيلم «أوسكار: عودة الماموث» ليكسر النمط المألوف ويعلن عن ولادة اتجاه جديد في السينما المصرية.
إنه ليس مجرد تجربة خيالية فحسب، بل خطوة فنية جريئة تتحدى حدود الإنتاج المحلي، وتدعو إلى ثورة في المخيلة البصرية.
ينطلق الفيلم من فرضية علمية جريئة: إعادة إحياء الماموث المنقرض عبر تقنيات الاستنساخ الحديثة، لكن الكائن العائد من زمن الجليد يخرج عن السيطرة، لتتحول القاهرة إلى ساحة صراع بين العلم والطبيعة.
الفكرة تُذكّرنا بتحذير دائم من غرور الإنسان حين يحاول اللعب بدور الإله.
ولعلّ أعظم ما في الفيلم أنه يخوض مغامرة فكرية قبل أن تكون بصرية، ويمزج بين الخيال العلمي والتأمل الفلسفي في مصير الإنسان المعاصر.
الأبطال قدّموا أداءً متزنًا رغم الطابع المعقّد للمشاهد الرقمية.
البطل حمل التوتر الداخلي لعالمٍ يقف بين الطموح العلمي والندم الإنساني، فيما أضفت البطلة لمسة من الحنان والتوازن.
الكوميديا الخفيفة التي وُزعت بعناية على الحوار منحت الجمهور استراحة ذكية من ثقل الحدث، دون أن تُفقد الفيلم جديّته أو منطقه الدرامي.
من الناحية التقنية، يُعد الفيلم نقلة نوعية في استخدام المؤثرات البصرية داخل السينما المصرية.
صحيح أنها لم تبلغ مستوى الدقة الهوليودية، لكنها شكّلت محاولة شجاعة لبناء عالم رقمي شبه متكامل.
الإضاءة كانت جزءًا من السرد، والمونتاج السريع ساعد في خلق توتر دائم يوازي ضخامة الكائن العائد.
لقد شعر المشاهد أن المدينة تتحول أمامه من فضاء مألوف إلى عالمٍ أسطوري يهدد بالانهيار.
وراء الضجيج والمطاردات تكمن أسئلة وجودية عميقة:
هل يحق للإنسان أن يُعيد الحياة إلى ما اختار الزمن أن يُميته؟
هل يتعلّم الإنسان من تاريخه أم يكرر أخطاءه بوجهٍ أكثر حداثة؟
هنا تكمن القيمة الحقيقية للفيلم: أنه لا يكتفي بالإبهار البصري، بل يُقدّم تأملاً فلسفيًا مغلفًا بالترفيه.
خلال عرض الفيلم في قاعات السينما الكبرى بالقاهرة، بدا التفاعل واضحًا منذ المشاهد الأولى.
ترددت همهمات الدهشة مع أول ظهور للماموث العملاق، وتصاعد التصفيق في لحظات الذروة حين واجه العلماء الكارثة وجهاً لوجه.
وبين الضحكات القصيرة في المواقف الكوميدية، والأنفاس المقطوعة في مشاهد المطاردة، كان الجمهور يعيش التجربة بكل حواسّه.
حتى بعد انتهاء العرض، ظلّ كثيرون في مقاعدهم يناقشون الفكرة، كأن الفيلم لم يغادر الشاشة بعد — وهي علامة نادرة على نجاح أي عمل في لمس خيال المشاهدين وإثارة أسئلتهم.
قد يختلف النقاد حول بعض جوانب البناء الدرامي أو الإيقاع، لكن لا خلاف على أن الفيلم يمثل قفزة فنية في مسار السينما العربية.
إنه عمل يؤكد أن الحلم ممكن، وأن السينما المصرية قادرة على دخول عالم الخيال والمغامرة بثقة إذا وجدت الرؤية قبل الميزانية.
«أوسكار: عودة الماموث» فيلم لا يُشاهد فقط، بل يُحتفى به كمؤشر على أن الخيال في مصر بدأ يستيقظ من سباته الطويل.
وفي النهاية يمكن القول:
عرض متكامل ورائع… يستحق علامة كاملة على جرأته في الحلم.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
