
نجاة أحمد الأسعد _سوريا
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_حديثنا اليوم هو عن عادات درجت في دمشق القديمة، حيث تعبق الأزقة بروائح الياسمين والزعتر، وتختلط أصوات المآذن بنداء الباعة، هناك مكان لا يشبه غيره… مكانٌ ليس فقط للاستحمام، بل لطقوسٍ تمتد جذورها في التاريخ الاسلامي… هو حمّام السوق الدمشقي
كان حمام السوق ضرورة اجتماعية لكل الناس حيث لم تكن هناك حمامات بيتية وكان البعض يتخذ من الحمام مكانا لسهرات دافئة .خاصة في ليالي الشتاء حيث يرقصون ويغنون متخذين من أدوات الحمام مثل ( الطشت) او (الجنطاس) آلات موسيقية ويرددون الاهازيج والاغاني الخاصة برواد الحمام .
فالحمام طقسا اجتماعياً بامتياز، ارتبط بالمناسبات العائلية الكبرى، خاصة الأعياد والأفراح.
الحمّام يتكوّن من ثلاثة أقسام رئيسية:
البرّاني… الوسطاني… والجوّاني.
في البرّاني، يبدأ كل شيء. يستقبل الزبون (المعلم) وهو مدير الحمام ثم يرافقه (ناطور الحمام) ، الذي يساعده في وضع مقتنياته في جرن صغير لحفظ الأمانات، ثم تبدأ طقوس الحمام التقليدية.ففيه، يخلع ملابسه، ويتسلّم المناشف والقبقاب. ثم ينتقل إلى الوسطاني، منطقة الراحة والتهيئة، قبل أن يدخل إلى قلب الحمّام… الجوّاني
وفيه يكون الزبون بين البخار والدفء، وتبدأ طقوس الحمام بالتكييس…
وهنا يتولّى (المكيّس) فرك الجلد بكيس خشن، لإزالة الخلايا الميتة، ويساعده( التبع) الذي يساعد المكيس بغسل رأس الزبون ثم يسكب الماء الساخن والبارد بالتناوب باستخدام الطاسات النحاسية… ليس بهدف النظافة فقط، بل لتحفيز الدورة الدموية وإعطاء إحساس عميق بالاسترخاء.
ولأن لكل مهنة بطلها، كان هناك أيضاً( القميمي)… وهو رجل يعمل خلف الكواليس، يوقِد النار، ويوزّع الدفء عبر أنابيب مدفونة في الجدران، لتصل المياه الساخنة إلى الأجران.
بعد الاستحمام، يستريح الزبون في القسم الوسطاني تحت قباب زجاجية ملوّنة، تنثر أشعة الشمس بألوان ساحرة مستوحاة من العمارة الإسلامية. وهناك، تدور الأحاديث، وتُروى الحكايات، في لحظة صفاء روحي وجسدي.
وقبل الخروج، يعود الزبون إلى البرّاني، ليُقدَّم له كوب شاي… ليس فقط لإكرامه، بل لتساعد حرارة الشاي على التكيّف مع الطقس البارد خارج الحمّام… ويُقال إن من يشرب الشاي بعد الحمّام، لا يصاب بالبرد.
اذا كان ارتياد الرجال لحمام السوق يتسم بالعفوية وعدم الاعداد المسبق فالامر مختلف لدى النساء فقد كانت المرأة ترتاد الحمام مصطحبة بناتها وأطفالها وزوجات أبنائها – الكنائن – أو قريباتها وجاراتها ولا تنسى المرأة الذاهبة الى الحمام أن تحضر معها أدوات الحمام ( الطشت) و ( الجنطاس) واضعة فيه الترابة الحلبية والمشط .
وكانت الحمامات أيام زمان تعمل منذ المساء وحتى ظهيرة اليوم التالي للرجال
ومن فترة الظهيرة الى العشاء للنساء
وكانت تتولى ادارة الحمام بالنسبة للنساء امراة تدعى المعلمة تساعد (الأيمة): وهي التي تغسل النساء و( الناطورة) التي تجلب المناشف وتخدم المستحمات وتنظف الحمام بعد خروجهن وكان الدخول الى الحمام يتم لقاء أجر يقال له (وفا الحمام).
كانت زيارة الحمّام بالنسبة للنساء فرصةً للاجتماع، وتبادل القصص والأخبار، وتحضير الطعام. ويُشكّل أيضاً مساحة للتعرّف على العرائس،
ومن أجمل الطقوس النسائية، كان حمّام العروس…
حيث يحتل “حمّام العروس” مكانة خاصة في الأعراس، إذ يُنظَّم احتفال نسائي داخله قبل الزفاف، تُدعى إليه النساء من الجانبين، ويضم غناءً ورقصاً ووليمة فاخرة.
وبعد أسبوعين من الزفاف، يأتي (“حمّام الغُمرة”) كردّ زيارة من أهل العريس.لأنه .
والعريس أيضاً له طقسه الخاص، ففي صباح الزفاف، يذهب العريس إلى الحمّام و يرافقه الأصدقاء ، وسط الاغاني الخاصة والأهازيج الشامية ثم يُخرجونه ايضا وسط زفّة شعبية وأهازيج شامية قبل أن يُنقل إلى العرس.
اما ليلة العيد، يتحوّل حمام السوق إلى خلية نحل، يعمل حتى الفجر ليستقبل باعة السوق المتعبين من يوم الوقفة، ويمنحهم لحظة راحة قبل العيد.
اخيرا رغم الحداثة، ودخول الحمّامات إلى كل بيت…بقي “حمّام السوق” حاضراً في الذاكرة الشامية، كتراث حيّ، يجمع بين دفء الجسد ودفء اللقاء.
والى حديث آخر عن عادات بلادي نلتقي الأسبوع القادم
https://www.facebook.com/share/v/1C2WfkHuuA/
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_