دور ألمانيا وموقفها من الصراع ما بين حزب الله وإسرائيل
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يشهد الصراع بين حزب الله وإسرائيل تصعيدًا متزايدًا، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت في 17 سبتمبر 2024. تلك الأحداث تأتي في إطار تاريخ طويل من التوترات التي شهدتها المنطقة، ومعها يزداد الاهتمام الدولي، خصوصًا من قبل دول الاتحاد الأوروبي وألمانيا. قبل 17 سبتمبر 2024، شهدت الساحة اللبنانية تصعيدًا ملحوظًا، لكن التطور الخطير فيما يتعلق بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله كان منذ ذلك التاريخ حيث تم تنفيذ سلسلة من التفجيرات التي استهدفت مواقع حساسة، وقيادات كبيرة داخل الحزب. كانت أولى هذه العمليات تفجير “البيجر” والذي استهدف مركزًا يُعتقد أنه نقطة تجمع لمقاتلي حزب الله. تلتها عملية تفجير “اللاسلكي” التي استهدفت شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب، مما أدى إلى فقدان الاتصالات بين قياداته.
موقف ألمانيا من التصعيد
تعتبر ألمانيا دولة رئيسية في الاتحاد الأوروبي، ولها تاريخ طويل في محاولة حل النزاعات الدولية من خلال الوسائل الدبلوماسية. بعد تصاعد العنف بين إسرائيل وحزب الله، أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها العميق بشأن الأوضاع في لبنان. وفي تصريحات لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، تم التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لوقف التصعيد، ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس. كما أكدت برلين على أهمية حماية المدنيين وضرورة الالتزام بالقانون الدولي. بعد حادث تفجير البيجر، الذي أسفر عن مقتل عدد من قيادات حزب الله، في 17 سبتمبر أبدت الحكومة الألمانية قلقها من تداعيات هذا العمل على الوضع الأمني في لبنان. حيث دعت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، جميع الأطراف إلى ضرورة تجنب العنف، مؤكدًا أن أي هجوم يستهدف المدنيين يعد انتهاكًا للقانون الدولي.
ما بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل
قال المستشار الألماني أولاف شولتس بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل يوم الثاني من أكتوبر 2024 إن “إيران تخاطر بإشعال المنطقة بأكملها”. وطالب إيران وحزب الله بـ”الوقف الفوري لهجماتهما على إسرائيل” وتقول وطهران إنها استخدمت حقها القانوني. وأكد المستشار الألماني أن بلاده، بالتعاون مع شركائها، ستواصل العمل للتوسط في وقف اطلاق النار مابين حزب الله وإسرائيل، موضحا أن وقف إطلاق النار هذا يجب أن يكون بداية للتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 1701، “الذي ينص بوضوح على ضرورة انسحاب حزب الله من المنطقة الحدودية مع إسرائيل”. وقال: “هذا من شأنه أن يمهد الطريق أمام عودة المواطنين إلى شمال إسرائيل ، وفي الوقت نفسه يفتح آفاقا لتدعيم دولة لبنان”.
وقال المتحدث باسم الحكومة شتيفن هيبشترايت، في برلين 21 سبتمبر 2024: “يجب ألا يتحول الصراع بين إسرائيل وحزب الله إلى حريق إقليمي؛ إذ إنه سيؤدي إلى عواقب مروعة وطويلة الأمد بالنسبة للسكان في جميع أنحاء المنطقة، فالدمار الناجم عن مثل هذه المواجهة سيكون كارثياً”. وأضاف هيبشترايت أن مدنيين أبرياء أصيبوا وقتلوا في الأيام الأخيرة، وأردف أن الناس في الدولة المجاورة لإسرائيل من الشمال (لبنان) يعيشون في حالة من الخوف والرعب، رغم أن “قطاعات كبيرة من السكان” ليس لهم علاقة بالصراع. وأكد المتحدث على “ضرورة إتاحة حل دبلوماسي للصراع”، مشدداً على ضرورة انسحاب قوات حزب الله من منطقة الحدود مع إسرائيل “حتى يتمكن الناس في شمال إسرائيل من العودة إلى منازلهم”.
ألمانيا: أهمية تحقيق الاستقرار في المنطقة
بالإضافة إلى ذلك، في سياق التطورات، جاءت تصريحات المسؤولين الألمان لتسلط الضوء على أهمية تحقيق الاستقرار في المنطقة. فقد صرحت وزيرة الخارجية بأن “الجهود الدولية يجب أن تُركز على إيجاد حلول دبلوماسية، وأن استخدام القوة لن يحل المشاكل المعقدة التي تواجهها المنطقة”، ومع تصاعد التوترات، كان لاغتيال حسن نصر الله في 27 سبتمبر 2024 تأثيرًا كبيرًا على موقف ألمانيا. حيث اعتبرت الحكومة الألمانية أن هذا الحدث قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في العنف في المنطقة. وذكرت أن أي تحرك عسكري يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع، مما يدفع بالأطراف إلى مزيد من التصعيد بدلاً من البحث عن حلول سلمية. وتؤكد تصريحات المسؤولين الألمان على الحاجة الملحة إلى التهدئة، حيث تم التأكيد على أهمية الحوار بين الأطراف المعنية.
ألمانيا : دعم جهود السلام
أعلنت الحكومة أن ألمانيا ستواصل العمل مع شركائها في الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى من أجل دعم جهود السلام، مع التركيز على حماية المدنيين وضمان استقرار المنطقة. تعكس هذه التصريحات رغبة ألمانيا في التفاعل مع الوضع المعقد والسعي نحو تحقيق تسوية دائمة. وفي تصريحات فُهمت على أنها انتقاد واضح لإسرائيل، حذرت وزيرة الخارجية الألمانية من “انزلاق المنطقة بأسرها إلى دوامة من العنف” عقب مقتل الأمين العام لحزب الله، وفي ظل هذه التطورات، رفعت ألمانيا درجات التأهب في ثلاث بلدان وفقاً لبيان للخارجية الألمانية، الذي كشف على أن خلية أزمة اجتمعت 28 سبتمبر 2024 لبحث “الوضع المتوتر للغاية في لبنان والمنطقة على نطاق أوسع بعد الهجمات الأخيرة” وقررت “رفع مستوى الأزمة للبعثات في بيروت ورام الله وتل أبيب”، كما قررت الخارجية الألمانية إجلاء عائلات دبلوماسييها وتقليص عدد الموظفين في بعثاتها في إسرائيل ولبنان والضفة الغربية.
كيف تتعامل ألمانيا مع حزب الله؟
تُعتبر العلاقة بين ألمانيا وحزب الله معقدة، حيث تُصنف ألمانيا حزب الله كمنظمة إرهابية. رغم ذلك، تُحافظ برلين على قنوات تواصل مع مختلف الأطراف في لبنان، بما في ذلك الحكومة اللبنانية، التي تضم عناصر من حزب الله. تركز السياسة الألمانية في هذا السياق على دعم الاستقرار في لبنان ومنع تفاقم الأوضاع الإنسانية هناك. ألمانيا تعبر عن دعمها للجهود الدولية الرامية لإحلال السلام في المنطقة، لكن موقفها الرافض للتطرف والإرهاب يجعلها تتعامل بحذر مع أي تقارب مع حزب الله.
التصعيد الحالي بين إسرائيل وحزب الله قد يؤثر سلباً على العلاقة بين ألمانيا وحزب الله، حيث قد تعزز ألمانيا من موقفها ضد الحزب في ظل الأوضاع المتوترة. قد يؤدي هذا التصعيد إلى زيادة الضغط على الحكومة الألمانية لتبني سياسة أكثر صرامة تجاه حزب الله، مما قد ينعكس على المساعدات الإنسانية والتعاون الدبلوماسي. كما أن أي تصعيد عسكري يمكن أن يخلق بيئة غير مستقرة تجعل من الصعب على ألمانيا لعب دور الوسيط أو الداعم للسلام في المنطقة. على الرغم من التحديات التي تطرأ بسبب التصعيد، تبقى ألمانيا ملتزمة بدعم الاستقرار في الشرق الأوسط.
تعمل برلين على تعزيز الحوار بين الأطراف المختلفة، بما في ذلك تقديم المساعدات الإنسانية للبنان ومساندة الجهود الدبلوماسية لحل النزاعات. يُتوقع أن تواصل ألمانيا دعواتها لوقف الأعمال العدائية وضرورة العودة إلى طاولة الحوار، حيث أن أي تصعيد قد يؤدي إلى تداعيات إنسانية خطيرة ويهدد المصالح الأوروبية والألمانية في المنطقة. لذلك، يبقى التركيز على تحقيق الاستقرار وحماية المدنيين من أولويات السياسة الألمانية في ظل هذه الظروف.
كيف تنظر ألمانيا ودول الاتحاد للتصعيد الراهن؟
يزداد القلق الأوروبي من تمدد الصراع وتوسع حرب غزة إلى الشمال وإقدام إسرائيل على اجتياح جنوب لبنان لإبعاد حزب الله عن الحدود. وفي هذا السياق، قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ، إن الشرق الأوسط على أعتاب امتداد رقعة الصراع إلى لبنان، وذلك بعد أيام قليلة من تهديد حزب الله اللبناني لقبرص العضو في الاتحاد الأوروبي.
يشعر الاتحاد الأوروبي بقلق متزايد إزاء تصاعد التوترات عبر الخط الأزرق، والدمار المتزايد والنزوح القسري للمدنيين على جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية. تماشياً مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، يدعو الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس، ومنع المزيد من التوترات والانخراط في الجهود الدبلوماسية الدولية، ولا سيما من جانب فرنسا والولايات المتحدة.
تصاعد التوتر قد يفاقم الأوضاع الإنسانية، خاصة في لبنان وفلسطين، وهو ما يتعارض مع الجهود الأوروبية الرامية إلى تعزيز السلام والتنمية في المنطقة. يتمحور موقف الاتحاد حول أهمية تجنب التصعيد والتوصل إلى حلول دبلوماسية من خلال الحوار، وهو ما يعكس التزامه الثابت بدعم الأمن والاستقرار الإقليمي. قد تؤثر حالة التصعيد الراهنة على السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بشكل كبير، حيث قد تدفعه إلى إعادة تقييم استراتيجياته في التعامل مع الأطراف المعنية.
قد يتخذ الاتحاد خطوات لتعزيز التعاون مع حلفائه في المنطقة في ظل تزايد التوترات، بما في ذلك دعم الجهود الإنسانية والتدخلات الدبلوماسية. أيضًا، يُحتمل أن تتزايد الضغوط على الدول الأعضاء لإيجاد مواقف مشتركة تعزز من وحدة الاتحاد في مواجهة التحديات الأمنية. هذا التصعيد قد يساهم أيضًا في تحفيز النقاشات حول كيفية تعزيز الأمن الإقليمي، بما في ذلك ضرورة وجود آليات فعالة للحوار ومنع النزاعات، مما يعكس أهمية دور الاتحاد الأوروبي في السعي لتحقيق الاستقرار الدائم في الشرق الأوسط.
تقييم وقراءة مستقبلية
التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله يضع ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي في موقف حساس، حيث يتطلب منه موازنة التزامات الأمن والاستقرار مع دعوات حقوق الإنسان. الدول الأوروبية تُدرك أن استمرار العنف قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، ويزيد من أعداد اللاجئين. لذلك، يُتوقع أن يعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز جهوده في مجال الدبلوماسية الوقائية، مع التركيز على حل النزاعات من خلال الحوار، كما سيسعى إلى توحيد المواقف بين الدول الأعضاء لضمان استجابة فعّالة.
يُرجح أن يقوم الاتحاد الأوروبي بتعزيز استجابته للأزمات الإنسانية في المنطقة في ظل التصعيد المحتمل. يمكن أن تشمل هذه الاستجابة زيادة المساعدات المالية والفنية للبنان والدول المجاورة، إلى جانب دعم المنظمات غير الحكومية التي تعمل على توفير المساعدة للمدنيين المتضررين. سيشدد الاتحاد على أهمية حماية المدنيين في سياق النزاع، كما قد يسعى إلى تكوين تحالفات مع الدول الأخرى في المنطقة والمجتمع الدولي لدعم هذه الجهود. هذه الاستجابة تُظهر التزام الاتحاد بتخفيف الآثار الإنسانية للتصعيد، بينما تُحافظ على مصالحه الاستراتيجية.
ألمانيا يمكن أن تلعب دور الوسيط في عملية الحوار بين إسرائيل وحزب الله، على الرغم من تعقيد موقفها. بفضل علاقاتها القوية مع إسرائيل ودعمها الثابت للسياسة الأمنية الأوروبية، يمكن لألمانيا العمل على تشجيع الأطراف على الانخراط في مفاوضات غير مباشرة. ستحاول برلين توظيف علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان لجعل صوت حزب الله مسموعاً في السياقات الدولية، مما يسهل عملية التوصل إلى حلول سلمية، هذا الدور يمكن أن يعزز من مكانة ألمانيا كقوة موازنة في السياسة الخارجية الأوروبية.
يمكن أن تؤدي حالة التصعيد إلى إعادة تقييم الاستراتيجية الأوروبية تجاه الشرق الأوسط. قد يكون من الضروري اعتماد سياسة أكثر شمولية تركز على معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات، مثل التوترات الطائفية والاقتصادية. ستحتاج الدول الأعضاء إلى التنسيق بشكل أكبر، مما قد يعزز من وحدة الموقف الأوروبي. من خلال دعم التنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون الإقليمي، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يعمل على تحسين الظروف الاجتماعية والسياسية، مما يقلل من احتمالية تصعيد النزاعات في المستقبل.
على المدى الطويل، يعتمد موقف ألمانيا والاتحاد الأوروبي على كيفية تطور الوضع في المنطقة. في حال استمرت التوترات في التصاعد، قد تجد برلين وبروكسل نفسيهما مضطرتين إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الأطراف المتورطة. ومع ذلك، فإن التركيز على الدبلوماسية وحل النزاعات سيكون دائماً جزءاً من الاستراتيجية الأوروبية. ألمانيا ودول الاتحاد ستستمر في السعي لتوفير بيئة مستقرة وآمنة، مع الاستمرار في دعم المبادرات الإنسانية والدبلوماسية، مما قد يؤدي في النهاية إلى نتائج أكثر إيجابية في سياق النزاعات الإقليمية.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات