
منى عثمان
لي مفتاحٌ صغير
لم يفتح بابًا قط
بل أدخلني إلى ممرّ طويل
يمتدّ على صهد الغياب
هنا مكتبةٌ
لا يزورها أحد
لكنها تعرف كم امرأة
غادرت العالم
بيدٍ خالية
وصوتٍ مكتوم
وقصةٍ ناقصة النهاية
كل رفٍّ هنا
لا يعلوه الغبار فقط
بل الصدى ايضا
ضحكةٌ لم يُسمح لها أن تكتمل
أغنيةٌ اختنقت في الحلق
صفعةٌ ما زالت ترتدّ في الهواء
في الدرج الأوّل…
امرأة كتبت خمس رسائل ولم تُرسل
حروفها مرتّبة بعناية
كأنها تخاف أن تُرفض حتى من الورق
في الدرج الثاني…
فتاةٌ خبّأت حلمها في منديلٍ مطرّز
وما زالت تُحاكم في الغياب
لأنها كتبت اسمها في الريح
لا في دفتر أحدهم
في الدرج الثالث…
امرأةٌ لم تقل “لا”
إلا لنفسها
ومع ذلك
عاشت تُلام على ما لم تفعله
في الدرج الرابع…
امرأةٌ لم يكن لها اسمٌ واضح
كلّ من ناداها
استخدم لقبًا
أو صفةً عابرة
أو نبرةً تتجاهل التفاصيل
لم تُعرف ككاتبة
ولا كعاشقة
ولا حتى كغاضبة…
بل كمن “تُجيد الصبر”
وكأن التحمّل
حرفةُ من يَنسى نفسه
كانت تطهو القصائد مع الخبز
تخبّئ الشغف في عيونها
كما تُخبّأ النار في الموقد
وتُطفئ الحلم بالمنشفة
كلّما اقترب أن يبلّل عتبة النهار
لم تجد دفترًا يُشبهها
فكتبت على ظهر الإيصالات
في هوامش كتب المدرسة
وفي المواعيد المنسيّة على الحائط
فلما غابت
قالوا: “كانت طيّبة.”
ونسوا أن الطيبة
أحيانًا شكلٌ أنيقٌ للغياب القاسي
كل صفحةٍ هنا
تنادي باسمٍ بلا شاهد
كل سطرٍ
يقطر من حبرٍ يشبه الدمع
وكل “أنا”
تشبهك
أنا لا أقرأ فقط
أنا أُعيد تجميع الشظايا
ألمس الحرف كما تُلامس الأمّ وجع وليدها
أعدّ النساء الغائبات
كما تُعدّ الأرواح في منفى طويل
في نهاية المكتبة
مرآةٌ لا تعكس الوجوه
بل الحكايات التي لم تُروَ بعد
وقفتُ أمامها
فسمعتهن ينادينني
أيتها المنى… أقبلي
ورأيتني…
…إحداهن !!
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_