السبت. نوفمبر 8th, 2025
0 0
Read Time:4 Minute, 5 Second

ياسمين كالميت

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_شهدت العلاقات الدبلوماسية بين البرازيل والولايات المتحدة، التي طالما استندت إلى التعاون الاقتصادي والاستراتيجي، أزمة جديدة في يوليو 2025، عندما أعلنت إدارة دونالد ترامب فرض تعريفة جمركية بنسبة 50% على المنتجات البرازيلية. وقد تم تبرير هذا الإجراء بادعاءات تتعلق باضطهاد سياسي لجايير بولسونارو، وفرض قيود مزعومة على حرية التعبير في البرازيل، مما كشف عن دوافع سياسية وأيديولوجية بالدرجة الأولى. وتُعد هذه الخطوة أكثر من مجرد عقوبة تجارية، إذ تعكس إعادة تموضع أمريكية تتعارض مع مبادئ التعددية، وتهدد قواعد منظمة التجارة العالمية. وردّت البرازيل بسرعة عبر تحركات دبلوماسية وتعبئة إقليمية.

أزمة متصاعدة

يرتبط تصاعد التوترات بين البرازيل والولايات المتحدة بعدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- فرض واشنطن تعريفة جمركية مرتفعة على البرازيل: جاء الإعلان عن فرض التعريفة الجمركية الأمريكية بنسبة 50% بشكل مفاجئ، واعتُبر على نطاق واسع إجراءً ذا دوافع سياسية يتجاوز الإطار التجاري البحت. وبررت الحكومة الأمريكية القرار بالحاجة إلى تصحيح حواجز تفرضها البرازيل على المنتجات الأمريكية، مدعية أن هذه الإجراءات تهدف لتقليص العجز التجاري المتراكم. لكن تحليلات اقتصادية أظهرت أن تلك الحواجز لا تُعد ممارسات تمييزية، بل سياسات لحماية القطاعات الاستراتيجية.

2- انفتاح إدارة ترامب على القوى المعارضة للرئيس البرازيلي: اللافت أن قرار واشنطن بفرض تعريفة جمركية على البرازيل، جاء عقب زيارة إدواردو بولسونارو، النائب الاتحادي ونجل الرئيس السابق، إلى دونالد ترامب. وخلال الزيارة، زعم إدواردو أن والده يتعرض لاضطهاد سياسي من قبل الحكومة البرازيلية الحالية، وشكك علناً في نزاهة المحكمة الفيدرالية العليا، واصفاً إياها بأنها منحازة وتُستغل سياسياً. وقد تبنت الأوساط القريبة من ترامب هذه السردية سريعاً، باعتبار بولسونارو حليفاً أيديولوجياً.

3- مخاوف من التأثيرات الواسعة للإجراءات الأمريكية على الاقتصاد البرازيلي: تؤثر الإجراءات الجمركية الأمريكية على قطاعات حساسة من الاقتصاد البرازيلي، مثل الزراعة والصناعات المعدنية والطيران، بما يشمل: البن، وعصير البرتقال، واللحوم، والفولاذ، وطائرات “إمبراير”. وتشير التقديرات إلى أن هذه التعريفة قد تُخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل بنحو 0.4 نقطة مئوية في عام 2025.

4- اعتبار الرسوم الجمركية أداة ضغط سياسي أمريكي: ينظر البعض إلى أن الرسوم الجمركية باتت أداة ضغط سياسي تهدف إلى توجيه رسالة جيوسياسية مفادها أن من يبتعد عن الاصطفاف الأيديولوجي مع واشنطن قد يواجه عواقب اقتصادية جسيمة، ما يقوّض مبدأ الاستقرار في الشراكات التجارية الدولية.

5- إعلان البرازيل اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية: ردت الحكومة البرازيلية بسرعة، حيث أعلن الرئيس لولا عزمه اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، كما شكّل بعثة دبلوماسية برئاسة نائب الرئيس ألجمين ووزارة الخارجية للتفاوض المباشر مع وزارة الخارجية الأمريكية. ووافق مجلس الشيوخ على تفعيل “قانون المعاملة بالمثل” الذي يسمح بفرض تعريفات معادلة على السلع الأمريكية مثل الإيثانول والأدوية ومدخلات التكنولوجيا. كما صدرت إدانات شديدة من منظمات القطاع الخاص مثل اتحاد الصناعة واتحاد الزراعة، وانتقد رجال أعمال برازيليون وأمريكيون القرار لما سببه من عدم استقرار، وارتفاع تكاليف التشغيل.

تداعيات قائمة

تثير أزمة الرسوم الجمركية الأمريكية عدداً من التداعيات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- تزايد الجدل حول مدى تماسك الاقتصاد البرازيلي: تجاوزت تداعيات الأزمة البعد الثنائي، إذ أعادت فتح النقاش حول هشاشة البرازيل أمام الضغوط الخارجية واعتمادها على الأسواق التقليدية، خاصة أن الولايات المتحدة تظل من أهم شركاء التصدير للمنتجات الزراعية والصناعية.

2- التأثير على قدرة البرازيل على قيادة مبادرات التكامل: تؤثر الأزمة الراهنة مع واشنطن على التحركات البرازيلية على الساحة الدولية، ففي قمة بريكس في يوليو 2025، اعتُبرت التوترات مع واشنطن مثالاً على تآكل النظام المتعدد القائم على القواعد. ورداً على ذلك، اقترحت البرازيل تأسيس غرفة تحكيم تجاري بين دول الجنوب العالمي. الأمر المؤكد أن الأزمة مع واشنطن سيكون لها تأثير على الاقتصاد والقدرات البرازيلية، وبالتبعية القدرة على قيادة مبادرات إقليمية، ولا سيما في ظل الانقسامات داخل أمريكا اللاتينية حول كيفية التعامل مع واشنطن.

3- تحفيز الاستقطاب السياسي الداخلي في البرازيل: أصبحت الأزمة أداة لإعادة تشكيل الأجندة السياسية الداخلية، حيث استخدمتها حكومة لولا لتعزيز شرعيتها لدى قاعدتها الاجتماعية المعارضة تقليدياً للتبعية لواشنطن. أما المعارضة البولسونارية، فقد حاولت استغلالها لتصوير الحكومة على أنها تعاني من عزلة دولية، لكن معظم الرأي العام البرازيلي رفض تدخل واشنطن، واعتبر اتهاماتها للمحكمة العليا تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي.

4- استثمار الرئيس البرازيلي الأزمة لتعزيز العلاقات مع دول بريكس: يبدو أن الرئيس البرازيلي “لولا دا سيلفا” استثمر الأزمة لتعزيز رصيده السياسي، حيث دافع عن السيادة البرازيلية، وانتقد واشنطن، وشدد على ضرورة تنويع الشراكات التجارية. وتم تكثيف اللقاءات مع شركاء مجموعة بريكس، مثل الصين والهند وجنوب أفريقيا، في إطار استراتيجية لإقامة تحالفات بديلة.

عالم متغير

تسلط الأزمة الحالية الضوء على مخاطر النظام الدولي المتغير، حيث أصبح استخدام العقوبات التجارية وسيلة للضغط الأيديولوجي في ظل إدارة ترامب، مما يعكس تصاعداً في الأحادية الأمريكية مقابل توجهات السيادة والتعددية. وتبرز أهمية أن تنتهج البرازيل استراتيجية خارجية أكثر مرونة واستقلالية، بعيداً عن التحالفات الظرفية أو الشخصيات السياسية. ويُعد تعزيز العلاقات مع مجموعة بريكس، والاتحاد الأوروبي، وميركوسور، من المسارات الحيوية لزيادة القدرة التفاوضية، وتقليل التبعية لتقلبات السياسة الأمريكية.

وفي الوقت نفسه، يجب على حكومة لولا أن توازن بين الرد الصارم والحفاظ على مصالح القطاعات الاقتصادية الضعيفة. وقد تتحول الأزمة إلى فرصةٍ لإعادة التموضع الاستراتيجي، شريطة إعطاء الأولوية للاستقرار المؤسسي، والتعاون الإقليمي، والدفاع غير القابل للتفاوض عن السيادة الوطنية.

انترريجورنال للتحليلات الاستراتيجية

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

By almadar

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code