شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يبدو أن الاتحاد الأوروبي تخلّى أخيرًا عن حلمه بأن يكون الجهة التنظيمية العالمية المسيطرة في مجال التكنولوجيا، بعد عقد من الطموحات الهادفة لكبح جماح شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة مثل جوجل وأبل.
وتجلى هذا التحول، الذي يشير إليه المراقبون بأنه نهاية “تأثير بروكسل”، الأسبوع الماضي حين أوقفت المفوضية الأوروبية تنظيم الذكاء الاصطناعي وأعدلت قواعد حماية البيانات، ضمن خطة لتبسيط البيروقراطية وتعزيز قدرة الصناعات الأوروبية على المنافسة عالميًا.
وقد مثّل هذا القرار نقطة تحول كبيرة في تاريخ التشريع الأوروبي، حيث أظهرت واشنطن أنها أصبحت المرجع الفعلي لتحديد وتيرة تحرير الاقتصاد الرقمي في أوروبا، بحسب منتقدين يشيرون إلى ضغط إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على بروكسل لتخفيف قواعد التكنولوجيا الأوروبية، والتي كانت تعتبر بمثابة “ضرائب” على الشركات الأمريكية.
وقالت مارييتي شاكه، عضو البرلمان الأوروبي السابقة ومستشارة للمفوضية الأوروبية: “لم أعد أسمع أحدًا في بروكسل يقول: نحن هيئة تنظيمية عظمى”.
وأضافت أن التوقيت الذي أُعلن فيه برنامج “التبسيط” جاء بعد ضغوط أمريكية مكثفة، ما يعطي الانطباع بأن الحزمة الرقمية الشاملة التي أُعدت لتقليل البيروقراطية جاءت كرد فعل على هذه الضغوط، رغم نفي المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، توماس رينيه، أي تأثير خارجي على صياغة هذه القوانين.
وعلى مدى العقد الماضي، شهد الاتحاد الأوروبي طموحًا واضحًا لقيادة العالم في تنظيم الفضاء الرقمي. ففي عام 2016، أقر الاتحاد اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، التي تم نسخها لاحقًا في أكثر من 100 دولة، وأصبحت نموذجًا يُحتذى في حماية الخصوصية حول العالم.
كما أطلقت بروكسل قوانين أخرى لكبح جماح الشركات الرقمية، مثل قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، وصولًا إلى أحدث مشروع تشريعي يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي.
لكن التحولات الأخيرة، التي شملت إلغاء قيود البيانات وتنظيم الذكاء الاصطناعي، تعكس تحول أوروبا من دور “الشرطي العالمي” للتكنولوجيا إلى لاعب يحاول اللحاق بسباق الابتكار العالمي، خوفًا من فقدان الفرص الاقتصادية الموعودة للتقنيات الناشئة.
وأشار خبراء إلى أن هذا التراجع أضعف من نفوذ أوروبا في صياغة المعايير الدولية، ما منح واشنطن زمام المبادرة لتحديد المعايير بشروطها الخاصة.
يقول آنو برادفورد، أستاذ جامعة كولومبيا، مؤسس مصطلح “تأثير بروكسل”: “سواء أطلقت عليه اسم تبسيط أو إلغاء القيود، فإن الاتحاد الأوروبي يتحرك بعيدًا عن عصر التنظيم المرتفع”.
وأضاف أن الضغوط الأمريكية على بروكسل كانت واضحة طوال العام الماضي، مع حملة مكثفة من شركات مثل جوجل وميتا لتخفيف القواعد التنفيذية الأوروبية الصارمة.
وعلى الرغم من أن المفوضية الأوروبية أكدت على سيادتها في التشريع الرقمي، إلا أن محللين سياسيين أشاروا إلى أن أوروبا لم تعد تدرك حجم القوة التي كانت تتمتع بها عبر منظومتها التنظيمية، فيما ترى واشنطن أن تخفيف القيود سيعزز قدرتها التنافسية على الساحة الدولية.
وتعكس التحولات الأخيرة في سياسات بروكسل الرقمية نهاية مرحلة كانت فيها أوروبا رائدة في تشريع التكنولوجيا والخصوصية، وتحويل الدور إلى محاولة للحاق بالتنافس العالمي، بينما تتصدر واشنطن المشهد في تحديد معايير التكنولوجيا الحديثة.
أوروبا بالعربي
