لماذا تعرض إيران صفقة نووية جديدة؟

محمد عباس ناجي

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_تصاعدت حدة التوتر بين إيران والدول الغربية عقب القرار الذي صدر عن اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 21 نوفمبر 2024، والذي طرحته ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بدعم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وينتقد إيران بشدة بسبب تراجع مستوى تعاونها مع الوكالة، التي طالبها بإعداد تقييم شامل ومحدث بشأن احتمال وجود أو استخدام مواد نووية غير معلنة فيما يخص قضايا عالقة ماضية وحالية تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني بحلول الربيع القادم، أي قبل الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين.

لكنّ اللافت أنه في خضم هذا التصعيد، الذي تفاقم بعد أن أعلنت إيران -رداً على قرار الوكالة- تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً في منشآتها النووية، بدأت طهران في توجيه رسائل مباشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية بشكل عام، تفيد باستعدادها لإبرام اتفاق نووي جديد. فقد نشر الموقع الرسمي للمرشد الأعلى للجمهورية “علي خامنئي” حواراً مع مستشار المرشد “علي لاريجاني”، في 22 نوفمبر 2024، قال فيه إن إيران مستعدة للوصول إلى اتفاق نووي جديد، ووجه حديثه مباشرةً إلى الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب”، حيث قال إن إيران مستعدة للالتزام بعدم السعي للحصول على السلاح النووي، رغم قدرتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، في حالة ما إذا قبلت الولايات المتحدة الأمريكية الظروف الجديدة.

دوافع عديدة

يمكن تفسير حرص إيران على تقديم عرض للدول الغربية يُفيد باستعدادها للوصول إلى صفقة نووية جديدة، في هذا التوقيت، في ضوء دوافع عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- احتواء تداعيات التهديد بتغيير “العقيدة النووية”: كرر بعض المسؤولين الإيرانيين تهديداتهم خلال الفترة الأخيرة بإقدام إيران على تغيير العقيدة النووية في حالة تعرضها لخطر وجودي. وتشير العقيدة النووية هنا إلى الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى للجمهورية “علي خامنئي” في عام 2003 وتقضي بتحريم إنتاج وتخزين الأسلحة النووية. إذ قال رئيس المركز الاستراتيجي للعلاقات الخارجية وزير الخارجية الأسبق “كمال خرازي”، في أول نوفمبر 2024، إن إيران يُمكن أن تُغير عقيدتها الدفاعية والنووية في حالة تعرضها لخطر وجودي.

وقد أثارت هذه التهديدات ردود فعل متشددة من جانب الدول الغربية، وربما لا يمكن استبعاد أن يكون لها دور في إقدام تلك الدول على استصدار هذا القرار من جانب مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على نحو دفع اتجاهات عديدة في إيران إلى التحذير من تكرار تلك التهديدات التي يمكن أن تفرض تأثيرات سلبية على مصالح إيران وقدرتها على مواجهة الضغوط التي تمارسها الدول الغربية. ومن هنا، ربما تهدف تصريحات “لاريجاني”، في قسم منها، إلى احتواء هذه المواقف الغربية المتشددة تجاه إيران بسبب تكرار هذه التهديدات.

2- استباق سياسة “الضغوط القصوى” لإدارة “ترامب”: تتوقع إيران أن يكون إعادة تفعيل سياسة “الضغوط القصوى” هو القرارات الأولى التي سوف يتخذها الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” فور عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025. إذ يهدف “ترامب” عبر هذه السياسة إلى “تصفير” الصادرات النفطية الإيرانية التي وصل متوسطها إلى نحو 1.7 مليون برميل نفط يومياً معظمها إلى الصين. ومن دون شك، فإن هذه الضغوط يمكن أن تتسبب في تفاقم حدة الأزمة الاقتصادية في الداخل، خاصةً أن الصادرات النفطية الحالية هي أحد المصادر التي تعتمد عليها إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية وتقليص تداعياتها السلبية على الاقتصاد.

ويبدو أن إيران تتحسب حالياً لاحتمال تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية، على نحو بدا جلياً في التصريحات التي أدلى بها الرئيس “مسعود بزشكيان”، في لقائه مع عناصر مليشيا “الباسيج” في مرقد “الخميني”، في 22 نوفمبر 2024، وقال فيها إن بعض القطاعات الخدمية في إيران مثل الكهرباء والغاز والمياه والبيئة تقف على حافة الهاوية، في إشارة إلى انهيار البنية التحتية بسبب العقوبات الأمريكية وعدم قدرة الشركات الحكومية أو التي تنتمي إلى الحرس الثوري على ملء فراغ انسحاب الشركات الأجنبية من الاستثمار في السوق الإيرانية.

3- تجنب نقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن: لم تعد إيران تستبعد أن تعمل الدول الغربية في الاجتماع القادم لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي سيعقد في مارس 2025، على نقل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي من جديد، خاصةً بعد أن طالبت الوكالة بإعداد تقييم شامل عن البرنامج النووي الإيراني.

وفي رؤية طهران، فإن ذلك يمهد المجال أمام إعادة تفعيل العقوبات الدولية التي تم تعليقها بمقتضى الوصول إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “5+1” في 14 يوليو 2015، خاصةً أن الدول الغربية تتجه حالياً نحو استخدام ما يُسمى آلية “الزناد” التي تتيح تفعيل تلك العقوبات دون أن تصطدم بعقبة الفيتو الذي لن تستطيع روسيا أو الصين استخدامه في هذه الحالة. وتتزايد احتمالات حدوث هذا المسار مع الوضع في الاعتبار أن هذه الدول سوف تسعى عبر تفعيل آلية “الزناد” إلى استباق حلول ما يسمى بـ”يوم النهاية” في 18 أكتوبر 2025، والذي يعني انتهاء مفعول العقوبات الدولية السابق الإشارة إليها.

4- إبعاد شبح الحرب المباشرة بين إيران وتل أبيب: ترى إيران أن احتمال اندلاع حرب مباشرة بينها وبين إسرائيل لم يعد مستبعداً في ظل المعطيات الجديدة التي فرضتها الحرب الحالية التي تشنها الأخيرة في قطاع غزة ولبنان، منذ 7 أكتوبر 2023. وربما يمثل ذلك جزءاً من مقاربة جديدة تتبناها إيران وتضع ضمن حساباتها فيها النتائج التي أسفرت عنها الهجمات العسكرية الأخيرة التي شنتها إسرائيل، في 26 أكتوبر 2024، ضد بعض منشآتها لإنتاج الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي من طراز “إس 300” ومفاعل للأبحاث النووية في منشأة بارشين العسكرية.

هنا، فإن إيران ربما بدأت تعتبر أن الهدف من هذه الهجمات التي شنتها إسرائيل لم ينحصر فقط في الرد على الضربات التي سبق أن شنتها إيران ضدها في أول أكتوبر 2024، وإنما قد يمتد إلى تمهيد المجال أمام احتمال استخدام الخيار العسكري مجدداً من جانب إسرائيل في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الحالية التي تشنها في قطاع غزة ولبنان.

ومن دون شك، فإن استخدام الخيار العسكري مجدداً في هذه الحالة سوف يكون الهدف منه البرنامج النووي الإيراني، الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق من التقدم أكده التقرير الأخير الذي صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 19 نوفمبر 2024، والذي كشف أن كمية اليورانيوم التي قامت إيران بتخصيبها بنسب مختلفة في الفترة السابقة وصلت إلى 6604.4 كلجم، بما يعادل 32 ضعف ما هو منصوص عليه في الاتفاق النووي (202.8 كلجم). فيما وصلت كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 185 كلجم.

إدارة التصعيد

في ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران تتوقع أن تواجه ضغوطاً غير مسبوقة من جانب الدول الغربية وإسرائيل خلال الفترة القادمة، ليس فقط بسبب الدعم الذي تقدمه سواء للمليشيات الموالية لها في المنطقة أو لروسيا، وإنما أيضاً بسبب تفاقم أزمة برنامجها النووي، والذي يفتح الباب أمام سيناريوهات عديدة كلها يمكن أن تفرض تداعيات سلبية على إيران ما لم تتمكن الأخيرة من الوصول إلى صفقة جديدة مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب”.

انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post هجر لغرام
Next post تكلفة باهظة للتعليم الفرنكوفوني في بلجيكا