
صفوح صادق شاعر فلسطيني
تحت ظلال النشيد المكسور،
يتكوّر الوطنُ
كجنينٍ خائفٍ في رحمِ الرماد،
يسألُ الأرض:
أما آنَ لهذا الموتِ أن يشيخ؟
كلّ الأشياءِ
مرّت من هنا،
لكنّ الوقتَ
ضاعتْ ملامحه في زفيرِ الغبار.
صارت الخيمةُ
لا تظلُّ سوى الدخان،
وصارت الطرقات
أضلاعًا مكسورة
في صدرِ مدينةٍ تنزفُ صمتًا.
يا أمّاه،
كم طعنةٍ في ظهركِ
لم تُسجّلها الكاميرا؟
وكمَ ابنًا دفنتِه
بين دعاءِ الفجرِ وزفرةِ المساء؟
صوتكِ المبحوح
يحملُ فلسفةَ الوجود،
كلُّ شيءٍ يولدُ هنا
مؤجَّلًا،
حتى الحياةُ
تستأذنُ الموتَ كي تمرّ.
القمحُ
نسيَ طقوسَه في أيار،
وصوتُ الحليب
يبكي على صدورٍ لم تكتمل.
أطفالُ المدارس
معلّقون في الذاكرة،
كصورةٍ باهتة
تُقاومُ المحوَ بالحُلم.
الوطنُ
ليسَ خارطةً
بل جرحٌ بأسماءٍ كثيرة،
كلُّ نكبةٍ
قصيدة،
وكلّ أمٍّ ثكلى
ملحمة
تتكوّر الأزقّةُ
كأحشاءٍ خائفة،
تحملُ ما تبقّى من خطى
لم تصلِ المدرسة،
ومن قُبلاتٍ
علِقت على جدرانِ البيوتِ المهدّمة،
كأنّ الوداعَ
صار طقسًا يوميًّا
للحياةِ هنا.
الريحُ
تتلو سورةَ الغياب،
على شواهدٍ
نُقشت عليها أسماءُ الأطفال،
كانوا يلعبون…
ثم صاروا نجوماً
تدلُّ الأمهاتِ
على السماء.
أمّ علي…
غسلتْ قميصهُ بالماءِ والدمع،
علّ الرائحةَ تبقى،
علّ صدى ضحكته
يُقاوم النسيان.
لم تنكسِر،
لكنّ ظهرها
أصبح موطئًا للتاريخ.
نُصلّي،
لكنّ الدعاءَ يتعثّر
في زجاجِ النوافذِ المخلعة،
ونكتبُ الشعر،
علّه يضمّد جراحًا
تفيضُ كلَّ مساءٍ
من عيونِ الخيام.
يا وطنًا
كُتب على جبينه
“أبدًا لن أشفى”،
هل تنبتُ شجرةٌ
من رمادِ الأحبّة؟
هل يعودُ الطفلُ
من الحلم
وفي يده دفترٌ لا دم؟
لكنّ في العتمةِ
تنبضُ بذورُ الضوء،
وفي الحطامِ
تزهرُ إرادةُ الحياة.
يا أمّي،
من بين ضفائركِ المبلّلةِ بالصبر،
ينسجُ الزمنُ رايةً
لا تهزمها المدافع،
ولا تُطفئها نشراتُ الأخبار.
يا طفلَ المخيم،
مهما تناثرَ حبرُك على الإسفلت،
سيجيءُ يومٌ
تُمسك فيه قلمًا
وترسمُ فلسطين
كما تشتهيها النجوم.
لسنا ظلًّا على خارطة،
نحن الأصل،
نحن الذين ننهضُ من الركام
وفي أيدينا
قصائدُ ورايات.
الحقُّ
ليسَ ضيفًا على المدى،
هو وطنٌ يسكننا،
وكلّ أمٍّ ثكلى
أصبحت منارة،
تدلُّ الشعوبَ
أن الصبرَ طريق،
وأن المظلوم
لا ينامُ في القبر،
بل يصحو في الثورة.