د.حمدي بشير
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_حذر تقرير رصد دولي صادر عن معهد دراسات الحرب- مشروع التهديدات الحرجة، في 26 يونيو 2025، من تصاعد هجمات تنظيمي داعش والقاعدة في منطقة الساحل الأفريقي. ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من هجوم شنه داعش، في 23 يونيو الجاري، على قرية ماندا في منطقة جارول العامة بولاية تيلابيري غرب النيجر، حيث لقي ما لا يقل عن 71 شخصاً مصرعهم، وهو هجوم سعى من خلاله داعش إلى موازنة العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي، خاصة بعد أن شن هجمات ضد القوات الحكومية المالية ومليشيا “فاجنر” وكبدهما خسائر كبيرة في بداية يونيو الجاري، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب تصاعد التنافس من جديد بين تنظيمي “داعش” و”القاعدة” في هذه المنطقة.
عوامل عديدة
ثمة جملة من العوامل التي تفسر تصاعد حدة التنافس بين تنظيمي داعش والقاعدة من جديد في منطقة الساحل، يتمثل أبرزها في:
1- توسُع التنظيمين خارج مناطق سيطرتهما التقليدية: اتجه تنظيما نصرة الإسلام والمسلمين (الذي يبايع القاعدة) وداعش إلى توسيع نطاق عملياتهما الإرهابية في منطقة الساحل باتجاه بنين ونيجيريا، لتتداخل مناطق سيطرتهما، خاصة في جنوب غرب النيجر، في سياق حملات عنيفة مستمرة مدفوعة بسعيهما المستمر لاستقطاب مقاتلين جدد والوصول إلى موارد جديدة لتمويل عملياتهما. وقد سمح هذا التوسع في هذه المناطق النائية والأقل أماناً لكلا التنظيمين بإنشاء قواعد عملياتية جديدة وتوسيع شبكاتهما اللوجستية. ولذلك تصاعدت الهجمات العنيفة من جانب التنظيمين بشكل ملحوظ في المناطق الحدودية، وربما يتجهان إلى تنفيذ عمليات متبادلة لاستهداف قيادات وكوادر كل منهما.
2- اختلاف تكتيكات العمليات الإرهابية للتنظيمين: أدى توسُع التنظيمين خارج نطاق عملياتهما، علاوة على تزايد نفوذ داعش في غرب النيجر، إلى تداخل وتقاطع مناطق سيطرتهما وخاصة في منطقة دوسو بالنيجر، لا سيما في بلديتي جايا وديوندييو. ويفرض هذا الوجود المتداخل في المناطق نفسها وضعاً معقداً ومتقلباً بسبب اختلاف تكتيكاتهما وأهدافهما العملياتية والعنيفة. وقد زاد هذا الوجود المتداخل من تصاعد التنافس بين التنظيمين من أجل نشر أفكارهما ومعتقداتهما في المنطقة.
وقد زاد تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، على وجه الخصوص، من رسائله الدينية الصريحة، التي غالباً ما تتضمن تحذيرات من التعاون مع القوات العسكرية والأمنية أو الانضمام إلى داعش. ولا تهدف هذه الاستراتيجية الإعلامية إلى تعزيز وجود التنظيم في الحياة اليومية للسكان المحليين فحسب، بل تهدف أيضاً إلى إرساء قواعد للتعامل بين المدنيين والمسلحين. ويؤكد وجود المسلحين في الأماكن العامة، وخاصةً في المساجد، عزمهم ترسيخ نفوذهم من خلال العمل على الاندماج في المجتمعات على جانبي الحدود بين بنين والنيجر عبر آليات مثل التواصل المجتمعي والمشاركة في الاقتصادات المحلية والتجارة غير المشروعة.
3- التنافس الدعائي لتأكيد الوجود والنفوذ الميداني: يحاول التنظيمان دائماً الترويج لوجودهما من خلال تصعيد عملياتهما الإرهابية في مناطق جديدة بشكل يشير إلى تمدد وتوسع نفوذهما في منطقة الساحل، حيث يحاول كل تنظيم تصوير نفسه على أنه البديل الأكثر قوة وتأثيراً. وفي هذا السياق، يشير الإنتاج الدعائي لتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين إلى استراتيجية أوسع نطاقاً لتقويض ثقة الجمهور في القوات الحكومية وتنظيم داعش، وتعزيز عمليات التجنيد من أجل ضم مزيد من العناصر المتعاطفة معه، وتوسيع نطاق العمليات التي يقوم بتنفيذها في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.
4- توسُع نفوذ داعش في غرب النيجر: حرص داعش على رفع مستوى هجماته الإرهابية منذ أواخر مايو الفائت، على نحو بدا جلياً في اجتياح مئات من مقاتليه القاعدة النيجرية في بانيبانجو في 19 يونيو الجاري. وزعم المسؤولون النيجريون أن المهاجمين قتلوا 34 جندياً وأصابوا 14 آخرين ونهبوا المباني المحلية. وجاءت هذه العملية في أعقاب هجومين من أعنف هجمات داعش في مالي والنيجر على التوالي، عندما ادعى التنظيم أنه قتل أكثر من 50 جندياً نيجريا في هجوم بمنطقة تاهوا في 25 مايو الفائت، و42 جندياً مالياً في هجوم بمنطقة تيسيت في 4 يونيو الجاري. ويحاول داعش استغلال مناطق نفوذه على طول الحدود بين مالي والنيجر، وذلك لتوسيع نطاق انتشاره في عمق النيجر جنوباً باتجاه نيامي.
انعكاسات محتملة
من المتوقع أن ينعكس تصاعد التنافس بين تنظيمي داعش والقاعدة على المشهد الأمني في المنطقة، وذلك على النحو التالي:
1- إمكانية تهديد استقرار نظام الحكم في النيجر: يحاصر تنظيما داعش ونصرة الإسلام والمسلمين العاصمة نيامي ببطء، حيث يهاجمان خطوط الاتصالات الأرضية المختلفة التي تربط العاصمة ببقية البلاد. ومن شأن تواجد أكبر لتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين في مقاطعتي بانيبانجو ووالام أن يوفر بؤرة ضغط ثالثة شمال نيامي، حيث ينشط التنظيم بالفعل على طول الطريقين السريعين الرئيسيين الآخرين الممتدين شمالاً من نيامي.
كما يهاجم التنظيم المدنيين وقوات الأمن على طول الطريق السريع شمال غرب نيامي، ويزعم بشكل متقطع أنه مسؤول عن أنشطة واسعة النطاق حول مدينة تيلابيري، التي تقع على بُعد ما يزيد قليلاً على 50 ميلاً من نيامي على طول الطريق السريع. كما يشتبك التنظيم مع قوات الأمن في شمال شرق نيامي بالقرب من باليارا، التي تقع أيضاً على بُعد 50 ميلاً من العاصمة.
وفي الوقت الذي يكثف فيه تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين من هجماته الإرهابية على قوات الأمن على الطرق جنوب غرب نيامي، زاد داعش بشكل كبير من معدل الهجمات على الجزء الجنوبي من الطريق السريع الذي يمتد على طول الحدود بين النيجر ونيجيريا جنوب شرق نيامي في عام 2025.
2- تصعيد الهجمات ضد الشركات والرعايا الغربيين: في سياق التنافس بين التنظيمين على الموارد لتمويل عملياتهما، يتوقع أن يتجه كل منهما إلى تصعيد هجماته ضد الشركات الأجنبية لممارسة ضغوط عليها والحصول على أموال من جانبها مقابل حماية أعمالها. وقد هاجم تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين مواقع عمل أجنبية في مالي مرتين في يونيو الجاري، وهدد جميع الشركات العاملة في مالي، في الشهر نفسه، مطالباً إياها بالحصول على إذن منه قبل مواصلة أعمالها.
وقد عززت هجمات نصرة الإسلام والمسلمين من قدرته على إنشاء شبكات ابتزاز للشركات الأجنبية وتقويض شرعية الحكومة المالية. وقد تدفع هذه الهجمات الشركات إلى سحب استثماراتها، خاصة أنها تواجه في الوقت نفسه تحديات متنامية جراء تعرضها لضغوط من جانب المجالس العسكرية في النيجر ومالي وبوركينافاسو، ولا سيما بعد أن أعلنت حكومة بوركينافاسو في 11 يونيو الجاري سيطرة شركة التعدين المملوكة للدولة على خمسة أصول لتعدين الذهب (منجمان وثلاثة تراخيص استكشاف) مملوكة لشركتي التعدين متعددتي الجنسيات إنديفور وليليوم.
3- زيادة الهجمات ضد المصالح الروسية بالمنطقة: نصب متمردو جبهة تحرير أزواد -المتحالفة مع تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين- كميناً لقافلة مالية-روسية بالقرب من أجيلهوك، في منطقة كيدال شمال مالي في 13 يونيو الجاري، على نحو أدى إلى مقتل عدد من جنود “الفيلق الأفريقي” المدعوم من وزارة الدفاع الروسية، وعشرات الجنود الماليين، وتدمير 21 مركبة. ويمثل هذا الاستهداف تهديداً للمصالح الاقتصادية الروسية في المنطقة، حيث عملت موسكو على إقناع باماكو بطرد شركات تعدين الذهب الغربية، بما في ذلك شركة باريك الكندية، وإعادة تخصيص العقود المملوكة لها للشركات الروسية.
ويعد قانون الضرائب الجديد في مالي والإجراءات التصعيدية ضد باريك جزءاً صريحاً من حملة مشتركة مع روسيا للسيطرة على المناجم المربحة المملوكة للشركات الغربية. وقد حصلت الشركات الروسية على حق الوصول إلى أصول اليورانيوم المملوكة سابقاً للفرنسيين في النيجر ورواسب الذهب الجديدة في بوركينافاسو. ومن هنا، يؤشر الهجوم الذي شنته حركة تحرير أزواد بالتنسيق مع تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين إلى احتمال تصاعد العمليات الإرهابية التي تهدف إلى تقويض نفوذ الشركات وتهديد المصالح الروسية في المنطقة.
4- الدفع لإعادة النظر في خيار التفاوض مع الإرهابيين: يبدو أن تصاعد نطاق العمليات الإرهابية سوف يدفع الحكومة المالية إلى دعم الخيار الدبلوماسي عبر إجراء مفاوضات مع تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين وداعش في وسط مالي، سعياً لاحتواء توجههما نحو توسيع نطاق عملياتهما ونفوذهما في الداخل. وقد كثّفت السلطات المحلية من هذه الجهود بعد اختطاف تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين عدداً من القادة المحليين في 9 يونيو الجاري. لكن هذا الخيار قد لا يحقق النتائج التي تنتظرها الحكومة، لا سيما أن التنظيمين قد يعتبران أن هذا التوجه مؤشر لعدم قدرة السلطات على مواجهتهما، وهو ما يمكن أن يدفعهما إلى الإمعان في تبني السياسة نفسها القائمة على توسيع نطاق نفوذهما في الداخل.
حسابات متقاطعة
إجمالاً، يمكن القول إنه رغم توسع نفوذ تنظيمي داعش والقاعدة خارج مناطق سيطرتهما التقليدية، علاوة على التداخل الجغرافي في مناطق عملياتهما وسيطرتهما، والذي يُرجّح سيناريو تصاعد التنافس بينهما؛ إلا أن ذلك قد لا يدفع بالضرورة التنظيمين نحو المواجهة المباشرة في المنطقة، بل ربما ينتج تداعيات عكسية، تتمثل في اتجاههما نحو إبرام تسوية مؤقتة تقضي بترسيم مناطق عملياتهما في الساحل الأفريقي
انترريجورنال للتحليلات السياسية
