وللألوان بوح -(1) الأسود
اسماء القرقني
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يضايقني كثيراً أن يربطونني بالحزن والحداد ، ويجعلونني مرادفاً دائماً للموت والفناء والنهايات.
تزعجني بعض الصباحات التي تبدأ بصوت كصوت تلك السيدة وهي تنصح ابنتها الشابة التي تعشقني :
-ابتعدي عن اللون الاسود يا ابنتي ،أبداً ليس فألاً حسناً.
يهوّن اتهاماتها الباطلة قراءتي لأبيات شعرية باذخة عن الليل وجمال الليل وعشاق الليل ، او رؤيتي لأحد الاعلانات المبهرة لرواية أحلام مستغانمي الشهيرة (الأسود يليق بك) ، أو تذكري للضجة التي اثارتها رواية (الجمال الاسود ) لآنا سويل اكثر الكتب مبيعاً على مر العصور.
مناسباتهم السعيدة لا تخلو مني ،جاذبيتي الآسرة تجعل معظمهم يفضلونني ، واكون خيارهم الأول سواء في فساتين واحذية السهرة للنساء أو بدل وقمصان وربطات العنق للرجال، يقول معظمهم عند سؤالهم عن سبب اختيارهم لي “الأسود سيد الالوان ” يسعدني قولهم هذا ويمنحني شعوراً مؤقتاً بالعدل والإنصاف ،لكنهم مع ذلك لايكفون عن طعني وظلمي و التجني علي وكأنني سبباً لكل مصائبهم .
لفتت نظري السيدة الجميلة التي دخلت توا لمحل مشهور يصبغ لوني معظم معروضاته ، لم ترض َ عني بديلاً في كل ما اختارته ،الفستان ، الحذاء ، الشال ،وحتى الجوارب ، حَزَنت على زوجها ولبست السواد قرابة العام ونصف ،، قالت لها احدى قريباتها عندما رأتها تلبس فستاناً زهرياً بعد ليالٍ طويلة من الحزن والأسى:
-ما شاء الله ، ارملة طروب تجتازين احزانك بطريقة تُحسدين عليها.
مصمصت اخرى شفاهها وقالت بحسرة : -رحمه الله وغفر له ، رجلاً مثله لا يُنسى بهذه السرعة.
فوجئت بها عندما ارخى الليل سدوله وخلا البيت من زائريه ، تقوم إلى حجرتها وتتخلى عني ، ترتدي ثوباً مخضباً بألوان بهيجة، تخرج البوماً للصور تقلبه بين كفيها ، تنهمر دموعها غزيرة تبلل وجنتيها ،تأملتها مبهوراً، رغم جفنيها المنتفخين من أثر البكاء إلا أن ثوبها الزاهي زادها بهاءً وشباباً وتوهجاً ، اعترف أن لونه تفوق علي بمراحل .
ليلة واحدة برفقتها جعلتني اسخر من شعوري الدائم بالظلم ، جعلتني ادرك انهم لا يستخدمونني للحزن فقط، هناك من يحتاج قتامتي ليستطيع العيش بسلام.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_