فوزي عمار وخدوش الذاكرة….( العفيف الاخضر)

محمد الظفير_محرر الشؤون الافريقية

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_كانت بدايات المفكر التونسي العفيف الاخضر زيتوني التكوين والتعليم وماركسي الهوى بل والعقيدة ثم انتهى ليبراليا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي .. ولد في سنة 1934 في ريف تونس، وعمل محاميا بعد ان تخرج من مدرسة الحقوق حتى عام 1961 ، ترجم البيان الشيوعي مما جعله رمزا لدى الشباب الماركسين العرب في سبعينيات القرن الماضي.

كان لعفيف لخضر ( هكذا ينطق اسمه التوانسة ) من خوارج المثقفين الذين لم يقبلوا بالفكر المعلب وهو بذلك على غرار المفكر الليبي الصادق النيهوم .

كان يرى ان فرض الرقابة الدينية على العقل اول اعراض الانحطاط ويميل إلى الفكر المعتزلي ويراه يمثل عقلانية دينية كان يردد كثير قول ابو العلاء المعري : (فكل عقل نبي)

التقيته في صيف 2002 في باريس التي زرتها قادما من لندن ( حيث كنت ادرس) عبر Eurotunnel وهو القطار الرابط بين فرنسا وبريطانيا تحت بحر المانش.

وبدعوة من صديق رجل أعمال تونسي أصر على لقاء المفكر التونسي (الذي لم أكن اسمع باسمه من قبل) وكان هو احد مريديه ومن يقدمه له مساعدات مالية تعينه على العيش الكريم نظرا لظروفه المادية الصعبة كما شرح لي.

كنت احمل معي كتاب كعادتي في كل سفرة وهذه المرة كان للمفكر الليبي الصادق إلنيهوم بعنوان : محنة ثقافة مزورة .
بعد أن سلمت عليه فجاءني بسؤال : من أين تعرف النيهوم؟ قلت انا ليبي وأعتز بالنهيوم ككاتب ليبي ومفكر عربي سبق زمنه بكثير ، فقال : حسنا لا يبدوا شكلك من أتباع الغنوشي.!
ضحكنا نحن الثلاثة..وبدأ الحديث عن النيهوم وكيف أنه نسف القديم ولم يطرح مشروعا جديدا .
ويبدوا ان حديثي معه قد ذكره بالنهيوم لأنه كتب عنه في المقالة التالية لهذا اللقاء في موقع ايلاف اللندني والعرب اللندنية.

سألته :لماذا أنت في فرنسا ؟ فأجاب : أنا سافرت كثيرا وكلما أسافر الي بلد تقوم به الحروب فقلت لعلى مجيء لأوروبا يكون فيه نفع لنا … !!!
تحدث عن صداقته مع الدكتور الليبي محمد عبدالمطلب الهوني وتأسيس مشروع رابطة العقلانيين العرب .
رابطة العقلانيين التي استمرّت لأكثر من خمسة عشر سنة واصدرت عشرات الكتب بين تأليف وترجمة كما أصدرت جريدة الأوان الاليكترونية التى يعتبر أرشيفها الكبير من اهم خزائن الفكر التنويري فى البلاد العربية وقبلها المؤسسة العربية للتحديث الفكرى وصدر عنها مئات الكتب وكان من اعضائها اركون وطرابيشى والعظم ونصر حامد أبوزيد و محمد الشرفى ونصيف نصار وعزيز العظمة وغيرهم كثيرون.

كان العفيف مبالغا في عداوته للدين ويخلط بين الإسلام كدين من جهة وبين سلوك المسلمين والخطاب الديني من جهة أخرى ،كان عصبيا في حديثه .. أذكر انه عندما اعترضت على بعض التشبيه للصحابة انه قال لي : انت لا تستمع مثل القذافي !!! واكمل .. لن نستطيع ان نبدع ما لم نتخلص من التابو
والمحرم ( الدين والسياسة)..
انها قيود ..انا عندي ضعف عمرك في التعليم والبحث وتعرفت على جيفارا وعشت مع رموز الثورة الفلسطنسة فى بيروت مثل ابوجهاد واختلفت مع أبورقيبة وتركت له تونس . غادرت الي الجزائر كنت من المقربين
من الرئيس الجزائري بن بلة واستقريت في باريس.

كنت استمع إليه بشغف فاستدرك انفعاله وحاول إصلاحه فقال : ولكني احترم فيك ذكائك ومرونتك.
بدأ يتحدث عن العلم وأنه المخرج لنا مما فيه. فالعلم وليس الدين هو ما يفسر كل شيء !!

قلت له : صحيح العلم يفسر الظواهر ويشرح السبب والعلة ،مثل ان الماء يغلي في درجة 100درجة مئوية .. والدم يتجلط..والارض تدور حول الشمس فيحدث الليل والنهار.

و لكن العلم لا يقطع بجوهر العلية،
ولا يشرح حاجة المعلول للعلة !
فما حاجة الماء للغليان ؟ وما حاجةالدم الى التجلط مثلا.
لقد اكتشف العلم الجاذبية ولكن العلم لا يقول لنا من أوجدها وحقيقة الجعل ؟ كما أن بالعلم تسطيع صناعة الذرة لكن العلم لا يقل اين تستعملها في قنبلة ذرية ام في تحلية مياه.. اليس كذلك؟
لم يجب على تساؤلي ولكن لم يقتنع ايضا به من خلال سيمولوجيا ولغة الجسد عنده.
استمر الحديث معه قرابة ساعة ونصف قبل أن أودعه.
رجعت إلى لندن وكنت على تواصل معه بالهاتف في مرتين او ثلات في حديث مطول وشيق .. فهو لا يعرف الاميل ولا يستخدمه رغم أنه مفكر كبيرا ولكن التقنية قد سبقته.

أصاب المرض العفيف وتمكن منه فاختفى عن الأنظار على الجميع تقريبا.. الا من بعض المقالات التي كان يستعين باحدهم ليكتبها له بعد اصابته بالسرطان و لم يعد قادرا ان يحرك يده …هذا ما أكده لي صديقه رجل الأعمال التونسي الذي عرفني به .. لنسمع لاحقا في شهر يوليو 2013 انه مات منتحرا …!!!

لقد تمكن منه تيار القلق الوجودي وسيطر عليه وعلى عجزه وجرفه الإلحاد وقاده التيه الى هذه النهاية المأسوية. بعد أن أيد أفكار المستشرقين عن تخلف العرب والمسلمين وكتاباتهم العنصرية عن الاسلام وعن رسول الله (صل الله عليه و سلم.)

كانت رؤية لعفيف لخضر تتجلى في جملته الشهيرة التي يرددها كثيرا : “ان نكبة العالم العرب التانية هي الإسلام السياسي بعد النكبة الأولي وهي القوميين والماركسيين العرب”
اذكر انه كتب يوما يقول : لقد دمرت الثورات الكاذبة حياتنا ، وهو ما كان قد حذر منه بعد أن تخلى عن دعمه لحركات التحرر الوطني التي اكتشف فسادها.

هذا كان رأي المفكر العفيف الأخضر عن الثورات التي عاصرها؛ يا ترى ماذا سيقول من عاصر ثورات ما سمي بالربيع العربي ..او هكذا ما أطلق عليها ؟

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post أجندة ترامب بشأن الهجرة: العودة إلى السياسات المتشددة
Next post من ذاكرة الفن “حدث في مثل هذا اليوم “