
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_في خطوة لافتة تعكس القلق المتزايد من التهديدات الروسية، أعلن الاتحاد الأوروبي الأربعاء عن استراتيجية شاملة لتعزيز حضوره في منطقة البحر الأسود، تشمل استثمارات ضخمة في البنية التحتية للنقل العسكري، وإنشاء مركز للأمن البحري، وتعزيز التعاون مع دول الجوار في مجالات الطاقة والدفاع.
وتسعى هذه الاستراتيجية الجديدة، التي كُشف عنها في مؤتمر صحفي في بروكسل، إلى التعامل مع “الحقائق الجيوسياسية الجديدة”، بعد أن أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى زعزعة استقرار أحد أكثر الممرات الحيوية للتجارة والطاقة في أوروبا.
وقالت كايا كالاس، الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، إن “الأمن في البحر الأسود لا يقل أهمية عن أي جبهة أخرى في أوروبا”، مشيرة إلى أن “الحرب الروسية الشاملة، والهجمات الهجينة على البنية التحتية البحرية، أدت إلى تآكل هذا الأمن وتهديد مصالح أوروبا الحيوية”.
مواجهة التهديد الروسي
تتمثل أبرز نقاط الاستراتيجية في تطوير البنية التحتية للنقل في دول الاتحاد الأوروبي الواقعة على البحر الأسود – لا سيما رومانيا وبلغاريا – من أجل تسهيل نقل المعدات العسكرية الثقيلة والاستجابة السريعة لأي تهديدات محتملة. ويشمل ذلك تحديث الموانئ، وتوسيع خطوط السكك الحديدية، وتطوير المطارات، ضمن ما وصفته كالاس بأنه “تأمين للقدرة على نشر القوات حيثما دعت الحاجة”.
وكان مفوض النقل الأوروبي، أبوستولوس تزيتزيكوستاس، قد أشار في وقت سابق إلى أن التكلفة الإجمالية لتحديث البنية التحتية للنقل العسكري في أوروبا قد تصل إلى 75 مليار يورو، وهو استثمار ترى بروكسل أنه ضروري لمواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة من الشرق.
مركز أوروبي للأمن البحري
ضمن هذه الاستراتيجية أيضًا، أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطة لإنشاء مركز للأمن البحري في البحر الأسود، سيكون بمثابة “نظام إنذار مبكر” لتعزيز الوعي الظرفي ومراقبة التهديدات البحرية، بما في ذلك الألغام، والهجمات السيبرانية، والتخريب المحتمل للبنية التحتية تحت سطح البحر.
ورغم أن التفاصيل التشغيلية والموقع الجغرافي لهذا المركز لم تُحدد بعد، أكدت كالاس أن الهدف منه هو تمكين الاتحاد الأوروبي من “الاستجابة الفورية” لأي تهديدات تطال البنية التحتية الحيوية للطاقة والاتصالات، في وقت تزايدت فيه الهجمات غير التقليدية على منشآت الغاز وخطوط الاتصالات البحرية.
تعزيز الرقابة والتعاون الإقليمي
تتضمن الاستراتيجية أيضًا تدابير لتعزيز الرقابة على الملكية الأجنبية للموانئ والمرافق البحرية الرئيسية، وسط مخاوف أوروبية من استغلال دول منافسة – وعلى رأسها روسيا والصين – لنقاط ضعف داخلية في الاقتصاد البحري الأوروبي. وقالت كالاس إن الاتحاد سيشدد قواعد التدقيق على الاستثمارات في البنية التحتية الحيوية لضمان “أمن سيادي غير قابل للتفاوض”.
في الجانب الاقتصادي، قالت مفوضة توسيع الاتحاد الأوروبي، مارتا كوس، إن الخطة تشمل أيضًا تطوير ممرات نقل جديدة للطاقة، وبنية تحتية رقمية، وروابط تجارية مع الدول المجاورة للبحر الأسود. وأكدت أن هذه الخطوات لا تهدف فقط إلى تعزيز الأمن، بل أيضًا إلى تحفيز الاقتصاد المحلي في المجتمعات الساحلية، والاستعداد لمواجهة آثار الحرب والتغير المناخي.
شركاء استراتيجيون
وأشار البيان الأوروبي إلى أن الدول التي تشملها الاستراتيجية الجديدة كشركاء أساسيين هي: أوكرانيا، مولدوفا، جورجيا، تركيا، أرمينيا، وأذربيجان. وقالت كوس: “في عالم تُستخدم فيه التبعيات كسلاح، علينا توسيع تعاوننا مع شركاء موثوقين يمكن الاعتماد عليهم”، مضيفة أن “هذه الشراكات لا تعزز فقط الأمن الجماعي، بل تفتح آفاقًا للتنمية الاقتصادية وتوفير الوظائف”.
البحر الأسود في قلب المواجهة
يمثل البحر الأسود اليوم نقطة اشتباك جيوسياسي رئيسية بين الغرب وروسيا. وقد أعاق الانتشار الواسع للألغام والعمليات العسكرية الروسية الملاحة التجارية، ما جعل أمن هذا الممر البحري الحيوي أولوية أوروبية. وتخشى دول أوروبا الشرقية من امتداد العدوان الروسي إلى ما بعد حدود أوكرانيا، وهو ما يدفع الاتحاد الأوروبي اليوم لتبني نهج أكثر صرامة واستباقية في تأمين حدوده الشرقية.
في ظل غياب حل سياسي للأزمة الأوكرانية، يبدو أن الاتحاد الأوروبي عازم على تثبيت أقدامه في البحر الأسود، ليس فقط كضامن للأمن، بل كفاعل إقليمي يسعى لإعادة تشكيل التوازنات في منطقة تعتبر شريانًا استراتيجيًا للطاقة والنقل والغذاء.
أوروبا بالعربي