د. محمد سعيد المخلافي اكتديمي من اليمن
طِفلٌ يَجْرْجِرُ في الطريقِ خُطَاهُ
والبَرْدُ يلْسَعُ في المَمَرِّ دِمَاهُ
يمضي وحيداً والشّتاءُ مُعربِداً
فيزيدُ في صدرِ الصَّغيرِ أَسَاهُ
سأَلتُ مُغتاظاً: لماذا حَافياً؟
أَضَاقَ بالإمكانِ خَيْطَ حِذَاهُ؟
أَم أنَّ القسوةَ الحمقاء قد ضَنَتْ بِهِ؟
ليصرخَ الطِّفلُ من أَلَمِ الحَفَا، أوَآهُ
.
عينَاهُ تَذْرِفُ ماءَهَا مُتساقِطاً
على رصيفٍ فَظ، ما أَقسَاهُ
أَبٌ توارى خلفَ غَيْمٍ راحِلٍ
نَأَى، وأُغْلِقَ دُونَهُ مرْآهُ
وأُمٌّ تُعالِجُ بُؤسَهَا مَكْلومَةً
والنّفسُ تُصْلِي بؤسَهَا وَجَوَاهُ
والضُّرُّ يبتَلِعُ الجميعَ ويقتفي
أَثَرَ الصَّغيرِ ليَلْتَهِم قَدَمَاهُ
ما عادَ يُعرَفُ جِرْمُهُ من ظِلِّهِ
مع فَتْكِ جُوعٍ واضِحٍ عَنَّاهُ
ولكم تسامتْ للمُعَنَّى أَعيُنٌ
لكنها قَصُرَتْ عن رُؤَى مَعْنَاهُ
وبقى بعَيْنِ الطِّفلِ جَمْرٌ كَامِنٌ
يَحيَا، ليُشْعَلَ حُلْمَهُ ومُنَاهُ:
يحلمْ بأنَّ الأرضَ تُصبحُ دَوْحَةً
تُزْهِي، ويَغْدو في الرَّغيدِ هَنَاهُ،
أَنْ تنحَني الطُّرُقَاتُ تنْزَع بَرْدَهُ
ويَطلَّ دِفءٌ قاصداً إيَّاهُ،
أَنْ يزرعَ الدَّمعُ التَّسَالي في الدُّنْى
ويعودَ يَضحَكُ هَمَّهُ وشَقَاهُ،
أَنْ يمنحَ الليلَ الشحيحَ صباحَهُ
فتفيضُ في جنبيهِ شمسُ نَدَاهُ.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
