السبت. نوفمبر 8th, 2025
0 0
Read Time:4 Minute, 31 Second

ألطاف موتي(كاتب باكستاني باحث سياسي واقتصادي)

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_عندما توسط الرئيس دونالد ترامب في اتفاق هش لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في أكتوبر 2025، شعر العديد من الفلسطينيين ببارقة أمل نادرة. علّق الاتفاق صراعاً مكثفاً دام قرابة عامين، وقدم وعوداً بتبادل للأسرى والمحتجزين، وضمانات بوصول المساعدات، ومساراً – نظرياً على الأقل – نحو إعادة الإعمار. غير أن هذا الأمل يظل هشاً؛ فثقة الفلسطينيين بواشنطن، وبترامب شخصياً، محدودة. ويفسر التاريخ، والأحداث الأخيرة، وموازين القوى الفعلية، لماذا لا يمكن لهذه الهدنة أن تصبح دائمة إلا من خلال ضغط أمريكي ثابت وقوي على إسرائيل.
تكمن المشكلة الأولى في التنفيذ. يتوقف وقف إطلاق النار على استعداد إسرائيل لكبح جماح جيشها، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل حقيقي، وقبول خطوات سياسية من شأنها تغيير الوضع الراهن في غزة. ففي غضون أيام من الهدنة، استؤنفت الغارات الإسرائيلية بعد أن أعلن الجيش أن قواته تعرضت لهجوم في رفح. والأكثر دلالة هو ما حدث بعد استعادة إسرائيل 20 من محتجزيها أحياء عبر مفاوضات. فبدلاً من ترسيخ الهدنة، شنت القوات الإسرائيلية قصفاً متجدداً. وفي الوقت ذاته، تخلفت عن الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق؛ إذ بقي معظم الأسرى الفلسطينيين خلف القضبان، وامتنعت إسرائيل عن تسليم العديد من جثامين الفلسطينيين، رغم التزامات سابقة. كما توقفت عمليات تسليم المساعدات مؤقتاً، وأُعيد تشديد إغلاق المعابر، وتعرضت أحياء بأكملها لنيران متجددة. لقد أظهرت هذه الأعمال انتهازية لا حسن نية، وأكدت مدى سهولة تلاعب إسرائيل بشروط الهدنة لتناسب أهدافها العسكرية والسياسية. فبدون آلية إنفاذ خارجية، تظل الهدنة قوية فقط بقدر ما تسمح به إسرائيل.
ثانيا ، الأمريكان لا يرون نفس الواقع. فالخطاب العام في الولايات المتحدة، في عهد ترامب، يركز على الهدنة باعتبارها “نجاحاً دبلوماسياً” ويؤطر دور الإدارة على أنه “وسيط محايد”. لقد سافر ترامب ومبعوثوه، بمن فيهم جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، إلى المنطقة لدعم الاتفاق. لكن الحضور الدبلوماسي لا يعني بالضرورة ممارسة الضغط. فالزيارات والكلمات الودودة والصور التذكارية قد تساهم في تثبيت الوضع للحظة، ولكنهم لا يجبرون الحكومة في حد ذاتها على تغيير السياسة عندما يعتمد البقاء السياسي داخل تلك الحكومة على المواقف المتشددة.
ثالثاً، تبرز أهمية العلاقة البنيوية (الهيكلية) بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فقد قدمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإسرائيل الغطاء السياسي والسلاح والمعلومات الاستخباراتية، مقابل تنازلات محدودة. وعندما يكون الدعم الأمريكي غير مشروط، فإن القادة الإسرائيليين يواجهون تكاليف سياسية داخلية أقل عند قيامهم بأعمال عسكرية تنتهك الهدنات. هذا النمط يجعل الشك الفلسطيني مبرراً ومنطقياً. فالفلسطينيون يدركون أنه حتى عندما تتفاوض الولايات المتحدة على اتفاق، فإنها غالباً ما تفشل في دعم تنفيذه بـ “عواقب ملموسة” رداً على الانتهاكات. والنتيجة هي دورات متكررة من الهدنة والعنف.
رابعاً، إن مسألة المصداقية شخصية ومؤسسية في آن واحد. فالعديد من الفلسطينيين يتذكرون اتفاقات سابقة توسطت فيها أمريكا وأسفرت عن نتائج محدودة. كما أن قاعدة ترامب السياسية وحلفاءه في الكونغرس يضمون مؤيدين أقوياء لإسرائيل يقاومون أي ضغط على سياستها. هذا الواقع السياسي يقيد ما يمكن أن يفعله ترامب دون الاصطدام بفاعلين محليين رئيسيين. علاوة على ذلك، يشير النقاد إلى “تضارب المصالح” المحيط بالمبعوثين الخاصين والعلاقات التجارية كأسباب للتشكيك في مدى نزاهة وفاعلية الدبلوماسية الأمريكية. وهذه ليست مخاوف مجردة، بل لها عواقب حقيقية على ما إذا كانت واشنطن ستفرض تكاليف على الانتهاكات.
ما المطلوب لنجاح الهدنة؟
إذن، ما الذي يتطلبه الأمر كي يثق الفلسطينيون بوقف إطلاق النار ولكي يستمر؟ الإجابة مباشرة: ضغط أمريكي ملموس ومستدام على إسرائيل. يجب أن يتضمن هذا الضغط “خطوطاً حمراء” واضحة و “عواقب متوقعة”. لا ينبغي أن يعتمد فقط على بيانات القلق أو الدبلوماسية المكوكية. الخطوات الملموسة يمكن أن تشمل جعل المساعدات العسكرية مشروطة، ووضع آليات للتحقق من تدفق المساعدات، ونشر فرق مراقبة مستقلة على الأرض، والمطالبة العلنية بفتح سريع للمعابر مثل معبر رفح.  هذه الخطوات من شأنها أن ترفع التكلفة السياسية على إسرائيل عندما تنتهك الاتفاق.
تُعد المراقبة المستقلة أمراً ضرورياً. فوقف إطلاق النار بدون مراقبين محايدين ليس سوى “وعد على ورق”. يمكن للمراقبين الدوليين، بدعم من الولايات المتحدة، تتبع الانتهاكات، وتوثيق تسليم المساعدات، وتقديم تقارير في الوقت الفعلي. وهذا من شأنه أن يقلص المساحة المتاحة للادعاءات الإسرائيلية الأحادية بحدوث استفزازات أو لإنكار عرقلة المساعدات الإنسانية. كما أنه سيمنح الفلسطينيين أساساً أوضح للمطالبة بالإنفاذ.
إن جعل الدعم الأمريكي مشروطاً سيكون صعباً من الناحية السياسية، ولكنه فعال. تزود الولايات المتحدة إسرائيل بالعتاد العسكري والاستخبارات والدعم الدبلوماسي. فإذا ربطت واشنطن عناصر من هذه العلاقة بالامتثال لشروط الهدنة، سيواجه القادة الإسرائيليون “مقايضات داخلية” بين الأعمال العسكرية قصيرة المدى والفوائد الاستراتيجية طويلة المدى. هذا النوع من النفوذ يمكن أن يغير السلوك. وبدونه، ليس لدى إسرائيل سبب خارجي قوي لقبول قيود طويلة الأمد على استخدامها للقوة.
أخيراً، تتطلب الثقة الفلسطينية أيضاً معالجة الواقع الإنساني. فوقف إطلاق النار لا يتعلق فقط بوقف الرصاص، بل يتعلق بالغذاء والماء والدواء وإعادة الإعمار. إن إعادة فتح المعابر، وضمان ممرات آمنة للإغاثة، وتخصيص الأموال لإعادة بناء المنازل والمستشفيات هي احتياجات ملحة. إذا رأى الفلسطينيون تحسينات ملموسة في حياتهم اليومية مرتبطة بالهدنة، يمكن للثقة أن تنمو. أما إذا ظلت وعود المساعدات مؤجلة أو مسيّسة، فسوف تنهار الهدنة وتعود إلى العنف.
الخلاصة: الضغط بدلاً من الوساطة
باختصار، لدى الفلسطينيين أسباب وجيهة للتشكك في ترامب وفي أي هدنة تتوسط فيها الولايات المتحدة وتفتقر إلى الإنفاذ. الهدنة خطوة أولى ضرورية، لكنها ليست كافية. فلكي يتحول وقف إطلاق النار من مجرد “هدنة مؤقتة” إلى أساس لعملية سياسية حقيقية، يجب على الولايات المتحدة أن تفعل ما هو أكثر من الوساطة؛ يجب أن تضغط – وأن يُرى أنها تضغط – على إسرائيل باستمرار وعلانية. عندها فقط يمكن أن يتحول الهدوء الهش إلى حماية دائمة لحياة الفلسطينيين وحقوقهم.
إذا أحجمت واشنطن عن استخدام نفوذها، سيبقى الاتفاق هشاً. بالنسبة للفلسطينيين، الثقة تتبع الإجراءات الملموسة: مراقبون مستقلون، ودعم مشروط، وممرات مساعدات مفتوحة، وإعادة إعمار واضحة للعيان. وفي غياب هذه التدابير، فإن الأمل يخاطر بالتحول إلى مجرد فترة هدوء قصيرة أخرى بين موجات العنف.

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

By almadar

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code