د.مفيدة محمد جبران
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_عنوان الديوان يستفز القارئتضعه على رفِّ المكتبة، ثم تحمله، تتمعن في غلافه لوحة فنية، تقف متأملاً لمعاني اللوحة المتناقضة؛ لبوةٌ وعصفور، ورجل فزاعة في حقل موحش. الرجل لم يكن فزاعة خشبية بل يحمل في جوفه كل شخوص الواقع الزائف ..
ثم تقرأ المهدي في نقاط الحروف لا الحروف ….
حاول المهدي الحمروني التملص من كينونته المركبة، لغة، وبلاغة، وسجع ليريح مداده وفكره، وروحه المتشظية بين وبين. مما جعله يناقض نفسه ويناقض ماهيته وكينونته …….
فقصائد الحمروني نموذجآ تفرّد به بين أقرانه من شعراء الحداثه. نموذجًا يشعُّ تميزًا . ….
درر منثورة جمع فيها شتاته، وبثَّ فيها ما أَلَمّ بخلجات روحه، وسطرها بمدادٍ ممزوجٍ بألوان متمازجة تحاكي كينونات مدارسه الخاصة ….
فقصائده صعبة التحليل، سهلة القراءة لعمق مضامينها ومعناها، وصعوبة تراكيبها البلاغية، وتعدد صورها ..
فتجد المهدي تارةً صوفيًّا يترنّح كما يترنّح الدراويش في حضرةٍ يتمايل بينهم سنجق أخضر، تتوسطه عبارة بلون أبيض بياض روحه عبارة التوحيد….
وتارة أخري تراه يعيش حالةً رومانسيه تسره، قد تقوده للجنون من محاولة الفهم والغوص في كمائن البشر …
وتارةً أخري يقدم نفسه بكل عنفوان البشر؛ أنا المهدي تجدني في قصائدي في لحظات الحزن، الفرح، العشق البحت، لا أتواري من أحد……
قصائد المهدي الحمروني هي معلّقات تعكس عصره النديّ، قصائده استنطاق لكل ما حوله .
فالمهدي في حالةٍ من الهذيان والصراع الروحي؛ يجالسك لكنه ليس معك، فهو يغوص في عوالم أُخري، يحاكي ويشاجر، ويضاحك شخوص غير مرئية، في سجالٍ مع امرئ القيس، أو عنترة أو محمد الفيتوري، أو إيليا أبي ماضي أو جبران. 
هو في رحلة بحثٍ محموم لم يجد ضالّته إلى الآن..
عندما يعاتب يعاتب، في صورة جامعة لمن حوله كأنه يعاتب المكنونات أو الدلالات في الموجودات، كالصحراء أو الماء، أو العشب، ليصل إلى معاتبة صديقه الذي لم يتوصَّ بقلبه ….
في نصوصه يكشف عن ألمٍ عميقٍ بصورةٍ شعريةٍ جميلةٍ وعميقة، تشبّه القصيدة بالألم. وفي محاولاته البائسة للتنصُّل من لونه الشعري؛ ماهو إلا لحظة تاثرة للخروج عن النص، للتحرر من عباءةٍ لبسها وضجر من سطوتها، سطوة التميز في البلاغة .
قال (رغم عبادتي لثبات حُبِّ الأمِّ الغافر لقسريّة المنأى’ وغيرتها من مآل ارتباطي بسواها ) إلي آخرها ( فخذ بيدي إلي العتق في رحابة العزلة )وهي كناية مجازية، إن الابتعاد عن جماليات اللغة لا سبيل له لطمأنينة المهدي إلا بالمعني.
تغزّل المهدي في مقاربة جميلة بين محبوبته والمعني. فالمعني ينقله في رحلة إعادة ثقته بنفسه، التي تاهت منه في رحلة العمر، التي تشكّلت لديه بين الطريد والنجاة إلي الأبدية، ليتنفس الصعداء في رحلة اختنق فيها المعني بما اختنق المهدي الحمروني به في قصائده بالتجلي في التأمل، بحثًا عن الحب الأعظم يقينًا حاضرًا بقوة وهو متينه للسكينة .. قصائده لا تقرأ مرة واحدة بل مرتين، لتكتشف كل مرة معنًي جديدًا ورموز جديدة .
تحتار في قصائده؛ فالمهدي يبتدي بتغزلٍ في محبوبةٍ صعبة المنال (أمرُّ عليك في هباء اليومي رقمًا غير مُحصى ) وتجده يتساءل في نبع ما وراء الطبيعة، حتى إذا قرأت النص من جديد سيتراءى إليك أنه يتغزل ببكاء ..
توقفت كثيرًا عند (خيالٌ عيِّيٌّ لقيدك )
فأحببتها وكفى .
ديوان المهدي الحمروني يحاكي ومضات أو وخزات المكان في قلب وهوى شاعر
شيطان شعر المهدي يأبي أن يحضر عند كل باب مدينة، ليبعث بالمهدي، ويعصف برياح الوجد والهيام، فوجدت كل قصيدةٍ ممهورةٍ بزمنٍ ومكان، وهذا ما جعلني أُعيد قراءة النص لسبر أغوار المدينة في نص المهدي.
حقيقةً توقفت عند معشوقتي طرابلس
إذ يصفها ( الشعر يعيد اكتشاف نفسه أمامك فيقف متمهِّلًا )
توقفت عن الاستمرار في قراءة باقي القصائد .
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
