بقلم ماجد خليل الشجيري
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_في لحظاتٍ من الدهشة والانبهار أمام عظمة التاريخ، تتقاطع الأزمنة وتتشابك العوالم، لتُحمل الأرواح في رحلة لا حدود لها بين الواقع والخيال. هناك، بين جدران بوابة عشتار وشارع الموكب، تبدأ حكاية غريبة لشابٍ تجاوز حدود الحاضر وسافر بعينيه إلى ماضٍ سحيق، حيث كان القانون يُنقش على الحجر، والملوك يُحاكمون بالعدل والقصاص.
رتفعت ضحكاتهم وهم يتجولون بفرحٍ بين أروقة المكان، مندهشين بما يشاهدون من عمرانٍ شامخٍ وأعمالٍ نحتيةٍ عملاقة. كانوا يلمسون كل جزءٍ من البوابة الشامخة بإعجاب، فكل زاويةٍ فيها تحكي عظمة الإنسان القديم وإبداعه الخالد.
وبينما هم يمرحون في شارع الموكب وبوابة عشتار التاريخية، جلسوا ليستريحوا ويتناولوا طعامهم. ابتعد أحدهم قليلًا، باحثًا عن مكانٍ هادئٍ بعيدٍ عن الأنظار ليستلقي ويسترخي.
أخذ يتأمل سكون المكان وما يحيط به من ممراتٍ ضيقة، حتى غلبه النعاس، فانغمس في حلمٍ غريبٍ عاد به إلى عام 1750 قبل الميلاد.
هناك، وسط صخب الحضارة البابلية، وجد نفسه بين شخصياتٍ كثيرة تتحرك في أروقة القصر الملكي، يرافقه الحرس الشخصي للملك. وأثناء سيره، وقعت عيناه على نافذةٍ تطل على قاعةٍ فخمة يتوسطها رجلٌ مسنّ، قوي البنية، بملامح صارمة تشي بالحكمة والخبرة.
تساءل بدهشة: “من يكون هذا الرجل؟
ابتسم أحد الحراس وقال: “إنه جلالة الملك… ملك بابل، حمورابي.
تجمّد الشاب في مكانه مبهورًا، لا يكاد يصدق ما يرى. لاحظ الملك نظراته المتسائلة فأمر بإحضاره إليه. تقدم الحرس به حتى صار واقفًا أمام الملك العظيم، الذي أشار إليه بالجلوس، ثم أمر الكتبة بمواصلة نقش القوانين على كتلةٍ من الديوريت ( نوع من الحجر) الأسود الصلب.
اقترب الملك منه وسأله بصوتٍ مهيب:
“من أي عالمٍ أتيت؟ وما حاجتك؟
حاول الشاب أن يتحدث، لكن صوته تعثّر ولم يخرج. ضحك الملك بلطفٍ واستأنف كتابة أحد القوانين الذي ينظم العلاقات الأسرية والاجتماعية — الزواج والطلاق والإرث والتبني.
أثار هذا القانون فضول الشاب، فجمع شجاعته وقال:
“يا مولاي، قوانيننا اليوم تتناول ذات المسائل، وتُقسم إلى أبوابٍ تنظم شؤون الأسرة والأحوال الشخصية، قائمةً على مبادئ المساواة والعدالة.
رفع حمورابي رأسه مبتسمًا:
“وأين وجه الشبه بين قوانينكم وقوانيني
أجاب الشاب بثقة:
“كلا القانونين ينظمان العلاقات الإنسانية، لكن مدونتك، يا مولاي، تعتمد على مبدأ القصاص — العين بالعين — أما قوانيننا الحديثة فتميل إلى مبدأ التعويض والتأديب.
ضحك الملك بصوتٍ عالٍ وقال
“لقد تشابهت عقول البشر وإن اختلفت عصورهم
لكن كثرة أسئلة الشاب وتعليقاته أثارت حفيظة الملك، فأمر الحراس بإخراجه من القصر. وبينما يُسحب خارج الأبواب الضخمة، شعر بدوارٍ شديد، وبدأ كل شيءٍ يتلاشى من حوله…
استيقظ فجأةً على أصوات أصدقائه وهم ينادونه ويهزون كتفيه. جلس وهو يضحك بهستيرية، وقال بصوتٍ متقطع:
“كنت في حلمٍ عجيب… كنت بين يديّ جلالة الملك حمورابي
وهكذا انتهت رحلته الغريبة بين طيات الزمن، لكنها تركت في نفسه دهشةً عميقة وإيمانًا بأن التاريخ لا ينام، وأن ما سطره الأجداد بالحجر ما زال ينبض بالحكمة في قلوب الأحياء. فكل حجرٍ، وكل نقشٍ، يحمل رسالةً خالدة تقول: من عرف تاريخه، أدرك قيمة حاضره.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
