الأربعاء. ديسمبر 17th, 2025
0 0
Read Time:3 Minute, 26 Second

شبكة  المدارالإعلامية الأوروبية…_تعيش بولندا حالة من الاستياء الدبلوماسي المتصاعد عقب استبعادها للمرة الثانية خلال شهرين من محادثات رفيعة المستوى تتعلق بمستقبل الحرب في أوكرانيا.

فبعدما غابت عن قمة جنيف في 23 نوفمبر، وجدت وارسو نفسها هذا الأسبوع خارج اجتماع لندن الذي جمع قادة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا، بهدف توحيد المواقف إزاء الجهود الأمريكية للتوصل إلى اتفاق سلام محتمل.

ويُعد هذا التهميش ضربة موجعة لدولة كانت – حتى وقت قريب – من بين أكثر الأصوات الأوروبية وضوحاً وحزماً في دعم كييف، قبل أن تجد نفسها الآن تكافح فقط للحصول على مقعد على الطاولة.

غضب في وارسو… وهجوم على الحكومة الليبرالية

المعسكر القومي اليميني المحيط بالرئيس كارول ناووركي استغل الفرصة لاتهام حكومة رئيس الوزراء الليبرالي دونالد توسك بالفشل الدبلوماسي.

فعضو مجلس الشيوخ عن حزب القانون والعدالة، ماريك بيك، شنّ هجوماً عنيفاً على توسك قائلاً إن غياب بولندا عن اجتماع لندن “يثبت مجدداً عدم كفاءته”، واصفاً إياه بأنه “سياسي من الدرجة الثانية” في أوروبا.

وتستند هذه الانتقادات إلى واقع لا يمكن إنكاره: بولندا لا تستضيف مليون لاجئ أوكراني فحسب، بل تُعد مركز الإمداد الرئيسي للجيش الأوكراني، كما ساهمت بشكل مباشر في دفع أوروبا نحو إعادة التسلح.

وتُعتبر وارسو اليوم الأعلى إنفاقاً على الدفاع بالنسبة للفرد على مستوى حلف الناتو، وتسعى إلى مضاعفة عدد قواتها ليصل إلى نصف مليون جندي.

توسك يحاول التهدئة… مع اعتراف مبطّن بالإحراج

رغم محاولته تجنّب التصعيد، لم يُخفِ توسك شعوره بالإحباط من تهميش بولندا مؤخراً. فبعد قمة جنيف، طلب إضافة اسمه إلى البيان الأوروبي المشترك في محاولة “لحفظ ماء الوجه”.

وفي برلين، حاول التخفيف من وقع الإقصاء بسخرية مريرة قائلاً: “ليس كل شخص في واشنطن – وبالتأكيد لا أحد في موسكو – يريد لبولندا أن تكون حاضرة في كل مكان”، معتبراً أن هذا الرفض قد يكون “مجاملة” لدور بولندا المتشدد في دعم كييف.

ومع ذلك، تصرّ الحكومة على أن اجتماع لندن “صيغة عابرة” اقترحها رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وأن بولندا لا يمكن أن تكون جزءاً من كل اجتماع.

وأشار المتحدث باسم الحكومة آدم شلابكا إلى أن وزير الخارجية رادوسلاف سيكورسكي شارك في مكالمة عبر الفيديو مع زيلينسكي وستارمر بعد الاجتماع، ما يعني – وفق تعبيره – أن “بولندا ما زالت منخرطة بالكامل”.

تراجع النفوذ البولندي: أسباب داخلية وخارجية

في السنوات الأولى للحرب، كانت وارسو لاعباً لا يمكن تجاوزه؛ فقد زودت كييف بأسلحة من مخزونها السوفيتي القديم، وأقنعت برلين بتسليم دبابات ليوبارد، وشكّلت نقطة لوجستية محورية للناتو عبر قاعدة جيشوف الجوية.

لكن هذا النفوذ بدأ يتآكل تدريجياً. فقد استُنفدت مخزونات بولندا من الأسلحة القابلة للتسليم، بينما انشغلت البلاد ببرنامج ضخم لإعادة التسلح لن يُتيح فائضاً يمكن تقديمه لأوكرانيا لسنوات.

في المقابل، باتت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة تتقدم الصفوف بتعهدات بتقديم دفاعات جوية وصواريخ بعيدة المدى، وأنظمة قد تواكب أي اتفاق لوقف إطلاق النار أو مهمة حفظ سلام مستقبلية.

وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن كييف أصبحت تميل نحو الدول القادرة على تقديم “أصول قابلة للنشر الآن”، وهو ما أضعف تلقائياً وزن بولندا السياسي.

انقسام داخلي يربك السياسة الخارجية

تعمّق حالة الانقسام بين رئيس الوزراء توسك والرئيس ناووركي أزمة بولندا الدبلوماسية.

ففي حين يركز توسك على التنسيق الأوروبي، يتجه ناووركي لتعزيز علاقاته الشخصية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مقدماً نفسه باعتباره صاحب “الصوت المستقل” لبولندا في المحافل الدولية.

ويؤكد مستشاروه أن ناووركي يمتلك اليوم قناة اتصال مباشرة مع البيت الأبيض – ميزة يفتقر إليها توسك. وقال جاك ساريوس-وولسكي، كبير مستشاري الرئيس، بصراحة لافتة: “ترامب لن يلتقي توسك أبداً. سيقابل الرئيس. وبفضله، لا تزال بولندا تتمتع بخط اتصال مع واشنطن”.

ورغم التوتر الحاد بين الطرفين، يتفق الجانبان على موقف متشدد تجاه روسيا، لكنهما يختلفان جذرياً حول كيفية مخاطبة واشنطن، ما يضعف قدرة بولندا على التحدث بصوت واحد في لحظة حرجة من تاريخ الحرب الأوكرانية.

من صانع للقرارات إلى مراقب من الهامش

بالنسبة لكثير من المراقبين داخل بولندا، يعكس استبعاد وارسو من محادثات لندن حقيقة جيوسياسية قاسية تتمثل في أن أوروبا تعتمد الآن على “الثلاثي الثقيل” – فرنسا وألمانيا وبريطانيا – في قضايا الأمن الأوروبي.

كما قال الرئيس السابق برونيسواف كوموروفسكي: “إنه ليس فشلاً دبلوماسياً… بل واقع القوة. بولندا ببساطة أضعف. ودورها يجب أن يكون متناسباً مع وزنها الحقيقي”.

ومع استمرار الخلافات بين قادة بولندا، وانحسار نفوذها العسكري مقارنة بمطلع الحرب، تبدو وارسو اليوم أبعد ما تكون عن المركز الذي احتلته قبل عامين فقط، حين كانت تُعتبر رأس حربة أوروبا في دعم أوكرانيا.

أوروبا بالعربي

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

By almadar

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code