نامت المدينة
ماجدة الفلاحي
نامت المدينة
ملء جفونها
تحلم بما يشتهيه بنوها
وبما يرعبهم
من أحوال الليل الذي
تسرب من أسفلها
ثم علاها
فغطاها
وأرخى سدوله على صدرها
وخصرها
نامت المدينة
تحت نجوم السماء
عارية نامت
شاحبة الوجه
مشرعة الأبواب
لكل غريب
بلا عسس
ولا أسوار
ولاحراس
****
ليتنا كنا هناك عند المرسى
أيها الصياد القديم
أو كنا قراصنة العصر الجديد
أو فرسانه
لنستعيد مجدها
ليتنا كنا القوارب والمراكب
ليتنا كنا الأشرعة
والبحارة
والغرقى
ليتنا كنا هناك
ولم ترحل النوارس
ولم يمزق الصخر الشباك
ليتنا كنا هناك
***
المدينة جميلة
كانت
كصبية تتزين
كل مساء
وكانت
كما الحكايات
تحترق شوقا
لطيف فارس
على صهوة الحصان
يتهادى
كنجم لامع في الظلام
يطير بها إلى غد من نور
و جمال وسناء
ينقذها من الفخاخ المنصوبة
تحت أقدامها
من رقعة الشطرنج
التي يموت فوقها الفرسان
وتموت فوقها الملكات
العاشقات.
***
لم يأت الفارس
على صهوة الحصان
ولا البحار الذي مزقت الريح شراعه
لم تأت الكلمات في وقتها
لكي تندب حظها
بقصيدة عصماء.
لم يأت الغد
بأحلام أطفالها
فتوسدت همها ونامت
تبكي في سرها.
***
آوت إلى ركن لاهب كالنار
ولاذت بوهمها
تسترجع لفحات الشوق
تشم عبق المكان
وتمد جسورا نحو الذكرى
تناغي قمرًا غاب
ونجمًا أفل
ربيع طفولة
ترانيم روح
تنعش خريف دروبها الباردة
***
كانت المدينة
بتولا تختال
بدلال
في سيرها كسحاب ربيع
وكظلال أشجار وارفة
كان لها ملح
وكانت لها أزهار
وأياد بيضاء عفيفة
غيم يعزف مواويل عشقها
لحن ووتر
أشعار وموسيقى
تراتيل حب
ورسائل من السماء
مطرًا وظلا
تستحضر وجهها الوضيء
تناجيه في لياليها الموحشة
كانت لها
لكن
لا يتشابه ليل كل المدن
فلكل مدينة ليلها
***
هذا المساء
لم تغتسل بضوء القمر
لم تتزين
لم تكتحل
لم ترخ جدائلها
لم تتعطر بماء الزهر
سرا تصلي صلواتها
تنحني لها الريح
ترتل آيات صمتها
على شفا
جسد أسير
يمضي على الرصيف
خطوات
بلا بوصلة
هجر فراشها كل عشاقها
لا أحد من العابرين يشبهها
ولا أحد عاد على عقبيه
ليسأل
من تكون ؟
من يسبر أغوارها ؟
من يكتم أسرارها ؟
وهل بوسع السماء
أن تسمع النداء
الذي يعلو من صدرها
بلا صوت
كالموت
ماذا عساها أن تقول ؟
***
أجلافا تتناوب
الغيلان
على اقتراف الخطيئة
على جسدها
حد الشبع
حد الجشع
حد الازدراء
بأصوات مغتصبة
ملغاة
خاوية اليدين أضحت
لا حية ولا ميتة
بين غفوها
وصحوها
كوابيس تزور ليلها
صوتها الصادح
الهادر
يصرخ في داخله
لا صدى
لصوتها
***
تختال الأيادي
تغتال حلمها
تنظر تحت قدميها
تنتظر المزاد
قمرًا مسروقا
وثغر شمس دافئة
أحلاما وأماني
يفتح المزاد
يعتلي المنادي
المنبر
يلمع بريق عينيه
تعلو وجهه ابتسامة
صفراء جامدة
يبدأ المزاد
على أونو
على دوي
على ثري
لاصوت يعلو على أصواتهم
يتهافتون
يزايدون
يساومون
عامري الأيادي يعودون
فارغي القلوب
مصلوبة على سارية الانتظار
تنظرإلى المطر
المنهمر من الأعلى
وتحلم أن يغسل جسدها
من العهرالذي
لوث طهرها.
تقول
المدينة النائمة
تقول في حلمها
أليس الصبح بقريب؟
تقول
كم لبثنا!؟
قد آن الأوان لكي تفيق
قد آن الأوان لكي تعود إلى أهلها.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_