سعدالله ونّوس

سالم الهنداوي

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_في تلك الليلة الشاتئة عام 1988 كانت مقهى دمشق دافئة بأحاديث المثقّفين الخارجين لتوِّهم من مسرح الحمرا بالصالحية مشياً على الأقدام تحت المطر. لم نخلع معاطفنا السميكة رغم الدفء الذي بدأ يتسرّب إلى أبداننا منذ جلسنا وتصاعدت إلى وجوهنا أبخرة الشاي بعبق النعناع. سألت سعدالله عن غياب الماغوط وأديب قدّورة، فالتفت يبحث بين الوجوه وهو يضمُّ بكفّيه كوب الشاي الساخن وقال؛ يبدو حتّى أنا سأغادر، البرد يساورني وبي حنين للدفء. وغادر سعدالله على عجل وسط الضجيج، ورأيته من خلف الزجاج على الرصيف ينفث بخار أنفاسه وهو يلتفت كأنه تائه، ثم يقطع الطريق ويغادر بعيداً بمعطفه الرمادي، ويغيب!

كانت تلك آخر مرة ألتقي فيها الصديق “سعدالله ونّوس” الكاتب المسرحي الفذّ، صاحب مسرحيات “الملك هو الملك” و”حفلة سمر من أجل خمسة حزيران” و”طقوس الإشارات والتحوًلات”.. 

أثناء إقامتي في قبرص عام 1997 اشتدّ عليه المرض، وقبل سفري إلى دمشق لزيارته كان قد فارق الحياة وقد كتبَ وهو على فراش المرض كتابه السردي الوحيد، والذي قال فيه؛ “بدت لي كلمة الشجاعة مضحكة، وظللت أكرِّرها في سرّي، ما معنى الشجاعة؟ وماذا تفيد الشجاعة رجلاً تقرّر رحيله ؟ ولماذا ينبغي أن أكون شجاعاً؟ لماذا لا يحق لي أن أنهار وأن أعول وأن أبكي، باغتتني رغبة حارة بالبكاء، وبالفعل ذرفتُ دمعتين يتيمتين، لم أجد بعدهما ما أذرفه، أليس العجز عن البكاء هو جزء من هذا الخواء الذي كان يهيء موتي ويُعلن عنه؟”.

رحم الله “سعدالله ونّوس” الكاتب المسرحي الأهم في عالمنا العربي.

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post  علاج مناعي للسرطان في بلجيكا وأوروبا
Next post سير واعلام افريقية 2 بقلم / لبني يونس”سامورا ماشيل:هل يعتبر حقا  زعيم النضال وأيقونة الحرية في موزمبيق؟؟؟؟