سير واعلام افريقية 2 بقلم / لبني يونس”سامورا ماشيل:هل يعتبر حقا زعيم النضال وأيقونة الحرية في موزمبيق؟؟؟؟
محمد الظفير-محرر الشؤون الافريقية
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_سامورا ماشيل، أحد القادة الأفارقة الذين تركوا بصمة لا تُنسى في تاريخ النضال من أجل الاستقلال والحرية، يُعتبر رمزًا بارزًا في حركة التحرر الأفريقية. وُلد ماشيل في 29 سبتمبر 1933 في قرية صغيرة شمال موزمبيق، حيث نشأ في ظل النظام الاستعماري البرتغالي الذي هيمن على البلاد حينها . كان ماشيل ابنًا لعائلة فلاحية، وترعرع وسط ظروف قاسية تميزت بالظلم والفقر، ما أشعل في نفسه نار التمرد والرغبة في تحرير وطنه من براثن الاستعمار.
في شبابه، كان ماشيل يراقب البرتغاليين واستغلاللهم الثروات الطبيعية واليد العاملة لشعبه، في وقت عانى فيه الموزمبيقيون من القمع والتهميش. ومع تصاعد وعيه السياسي، قرر الانضمام إلى حركة التحرر الوطنية. في أوائل الستينيات، انضم إلى حركة “فريليمو” (FRELIMO)، التي كانت تضم مجموعة من المثقفين والمقاتلين الذين يسعون إلى تحرير موزمبيق من الحكم الاستعماري. بفضل خلفيته العسكرية، سرعان ما أصبح ماشيل قائدًا عسكريًا للحركة، وكان له دور كبير في تنظيم وتنفيذ الكفاح المسلح ضد المستعمر البرتغالي.
طوال سنوات النضال، أظهر ماشيل شجاعة وحنكة في القيادة، واستطاع أن يجمع حوله الدعم الشعبي لمواصلة الكفاح. في النهاية، وبعد حرب تحرير طويلة ومريرة، نالت موزمبيق استقلالها في 25 يونيو 1975. في ذلك اليوم التاريخي، أصبح سامورا ماشيل أول رئيس لموزمبيق المستقلة، وحمل على عاتقه مسؤولية بناء دولة حديثة من أنقاض الاستعمار.
كانت رؤية ماشيل لموزمبيق تعتمد على إقامة نظام اشتراكي يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والجهل. منذ بداية حكمه، شرع في تطبيق إصلاحات واسعة تهدف إلى إعادة توزيع الأراضي والثروات بين الفلاحين وتطوير القطاع الزراعي، الذي كان يعد العمود الفقري لاقتصاد البلاد. كما كان ملتزمًا بتقديم خدمات صحية وتعليمية مجانية للشعب، إيمانًا منه بأن التعليم والصحة هما الركائز الأساسية لبناء مجتمع قوي ومتقدم.
لكن مساعي ماشيل لبناء دولة مستقلة ومزدهرة لم تكن خالية من التحديات. فقد واجهت موزمبيق حربًا أهلية دامية، شنتها حركة “رينامو” المعارضة، التي كانت تتلقى دعمًا من جنوب أفريقيا التي كانت تحت حكم نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في ذلك الوقت. كانت جنوب أفريقيا ترى في سياسات ماشيل الداعمة لحركات التحرر في زيمبابوي وجنوب أفريقيا تهديدًا لنظامها العنصري، لذلك عملت على زعزعة استقرار موزمبيق من خلال دعم المتمردين حسب المراجع التاريخية للمرحلة .
ورغم التحديات الداخلية والخارجية، استمر ماشيل في الدفاع عن سيادة بلاده، وكان يؤمن بأن تحرير موزمبيق يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع تحرير القارة الأفريقية ككل. لم يكن ماشيل مجرد قائد وطني، بل كان أيضًا مناصرًا قويًا للقضايا الأفريقية، وساهم بشكل فعال في دعم نضال الشعوب الأفريقية ضد الاستعمار والتفرقة العنصرية.
في 19 أكتوبر 1986، تعرض سامورا ماشيل لحادث تحطم طائرة غامض أثناء عودته من قمة إقليمية في زامبيا. تحطمت الطائرة في منطقة جبلية بالقرب من حدود موزمبيق مع جنوب أفريقيا، وأسفر الحادث عن مقتل ماشيل وعدد من أعضاء حكومته. وحتى اليوم، لا تزال ظروف الحادث غامضة، وسط اتهامات تشير إلى تورط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في تدبير الحادث، نظرًا للعلاقات المتوترة بين البلدين آنذاك.
رغم رحيله المأساوي، بقي إرث سامورا ماشيل حيًا في قلوب شعبه وشعوب القارة الأفريقية. كان قائداً شجاعاً ومناضلاً لا يعرف اليأس، وقضى حياته في الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها والتحرر من الاستعمار. حتى بعد وفاته، لا يزال ماشيل يُعتبر رمزًا للكفاح من أجل الحرية والعدالة، وإرثه السياسي والفكري يشكل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ موزمبيق وأفريقيا.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_