شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_شهدت الانتخابات الهولندية لعام 2025 تحولًا سياسيًا لافتًا تمثل في تراجع حزب الحرية (PVV) بزعامة خيرت فيلدرز، بعد أن كان القوة الصاعدة في السنوات الأخيرة. هذا التراجع لم يكن مفاجئًا تمامًا، بل جاء نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية أضعفت جاذبية الحزب لدى الناخب الهولندي الذي بدا أكثر ميلًا نحو الاعتدال والاستقرار بعد مرحلة من الخطاب المتشدد والاستقطاب الحاد.
السبب الأول وراء هذا التراجع هو الإرهاق الشعبي من الوعود الشعبوية التي لم تتحقق. فخلال فترة وجود فيلدرز على رأس تحالف هش، لم ينجح في تقديم حلول ملموسة لأبرز القضايا التي تشغل الهولنديين، وعلى رأسها أزمة السكن وارتفاع تكاليف المعيشة والطاقة. فبينما واصل الحزب التركيز على شعاراته التقليدية المناهضة للجوء والإسلام، كان المواطن ينتظر نتائج واقعية تمس حياته اليومية، وهو ما لم يتحقق.
إلى جانب ذلك، تغيّر المزاج العام في هولندا تجاه قضايا اللجوء والهوية. فبعد موجات التعاطف الشعبي مع اللاجئين الأوكرانيين والفلسطينيين، أصبح الخطاب المتشدد الذي يقدّمه فيلدرز أقل قبولًا لدى قطاعات واسعة من المجتمع. كثير من الناخبين رأوا أن المشكلة ليست في اللاجئين أنفسهم، بل في قصور الإدارة الحكومية عن إدارة الموارد والسياسات السكنية بفعالية. هذا التحول جعل الخطاب المعادي للجوء يبدو قديمًا ومنفصلًا عن أولويات المرحلة.
كما لعب الأداء الضعيف للحكومة السابقة دورًا مهمًا في فقدان الثقة بالحزب، إذ اتُّهم فيلدرز بالتركيز على القضايا الجدلية أكثر من التركيز على إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية. وقد انعكس ذلك على صورته كزعيم قادر على الحكم، خاصة في المناظرات التلفزيونية التي ظهر فيها مترددًا أمام خصومه من التيار الوسطي.
من جهة أخرى، استفاد حزب الديمقراطيين (D66) بزعامة روب ييتن من رغبة الناخبين في تجديد المشهد السياسي. فقد قدّم الحزب خطابًا عقلانيًا وواقعيًا ركّز على الحلول بدل الصدام، مما جذب فئات الشباب وسكان المدن الكبرى الذين يبحثون عن سياسة حديثة توازن بين الانفتاح والمسؤولية. وبدعم غير مباشر من أحزاب الوسط واليسار، تمكّن D66 من توحيد الأصوات المعتدلة التي كانت متفرقة في الدورات السابقة.
إن تراجع PVV في انتخابات 2025 لا يعني بالضرورة نهاية نفوذه، لكنه يعبّر عن تحول أعمق في المزاج السياسي الهولندي. فقد بدا واضحًا أن المجتمع بات يفضل براغماتية الحلول على صخب الشعارات، وأن الناخب الهولندي أصبح يبحث عن من يقوده بعقلانية لا بانفعال. وبينما يتهيأ روب جيتن لتشكيل حكومة جديدة، يبقى السؤال المطروح هل يستطيع الوسط الهولندي الحفاظ على هذا الزخم الجديد، أم أن فيلدرز سيجد طريقًا آخر لاستعادة جمهوره في المستقبل؟.
هولندا 24
