
بقلم رند الأسود_العراق/ بغداد
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_عشرات الروايات والقصص الأدبية خطها نهر مصر الخالد نجيب محفوظ صاحب الثلاثية الشهيرة ( بين القصرين ، قصر الشوق ، السكرية) والذي مازالت اعماله الى يومنا هذا مادة دسمة للدراما العربية.
اثرَ نتاج صاحب نوبل بكل القراء وكان للحارة الشعبية وللناس البسطاء دور اساسي فيه، بدأ محفوظ حياته الأدبية كمترجم فكان اول عمل له (مصر القديمة) في (عام 1932)، ثم توالت مسيرته الإبداعية في كتابة الروايات والقصص القصيرة ، وقد كان للمسرح نصيب ضئيل من أعمال صاحب زقاق المدق ، فقد كتب 8 مسرحيات آخرها كانت (الشيطان يعظ).
بدايةً فإن مسرحية الشيطان يعظ تشكل اختلافاً كلياً باقي نتاج محفوظ في المسرح فهي ذات شخوص محددة واسماؤها معروفة ومستمدة من التاريخ العربي، ومن الجدير بالذكر ان اغلب النقاد الذين عاصروا أيام صاحب( السراب) شهدوا تأثره بمسرحية ( نهاية اللعبة) للكاتب الإيرلندي ( صاموئيل بيكت)
فقد أعجب محفوظ بمسرح ( العبث) ومفهوم العبث هنا (هو موقف الكاتب المبدع مما يجده في الوجود من عبث وليس كتابة العبث ذاته) فنلاحظ في مسرحياته الست التي سبقت ( الجبل) و ( الشيطان يعظ) ان ابطالها لم يحملوا اسماء محددة وكذلك الحديث الدائم عن شيء مجهول وهو ما اتبعه بيكت في مسرحية ( في إنتظار غودو).
إما الشيطان يعظ فهي آخر أعماله المسرحية كتبها في (عام 1979م) و مستوحاة من قصة مدينة النحاس في ( الف ليلة وليلة).
زمن الاحداث في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان الذي يرسل مندوبه الامير طالب بن سهل الى أمير المغرب موسى بن النصير ليبلغه برغبة الخليفة في الحصول على قمقم من قماقم العفاريت العصاة الموجودة في صحراء المغرب ليضعها في خدمة الإسلام والمسلمين.
(قوة لاحدود لها )
ماذا يفعل الإنسان عندما يمتلك قوة لاحدود لها ؟ هل يستخدمها في الخير أم في تنفيذ جميع رغباته و اهواءه والقضاء على كل من يقف في طريقه وقد يصل به الحال حتى للكفر ! ..
في مدينة النحاس يقدم لنا عفريت الملكة ترمزين الهالكة من عشرين الف سنة مضت، موعظة !
( وقع قمقمي بين يدي الملكة ضمن صيد لها أصابه صياد القصر ، ولمست يدها مفتاح القمقم وهي تقلبه فخرجت لها ، وسرعان ماادركت مدى القوة التي اذعنت لها ، ثم وعدتني بإطلاق سراحي اذا حققت لها ماتشاء وإذا بها تتمادى في غيها حتى الكفر ! ولما كنت عفريتاً مؤمنا بالله على رغم معصيتي فقد غضبت وانزلت بها الميتة المسحورة التي تبقيها على حالها لاتتغير عبرة للمعتبرين، نابذاً وعدها لي بالتحرر ، هكذا ماتت المدينة ورجعت رغم إرادتي الى البحيرة).
للمسرحية اسقاطات سياسية يوظف فيها محفوظ الواقع داخل الإسطورة فحتى الشيطان نفسه يعظ عندما تكون هناك قوة لاحدود لها في يد الحاكم ! فقد وصل الحال بالملكة ترمزين الى ان تطلب من شعبها عبادتها بدلاً ( من الله الواحد الأحد ) لينزل بها غضب عفريتها العاصي.
وعندما يزداد اصرار موسى بن النصير وطالب بن سهل ودليلهم في الصحراء المغربية الشيخ عبد الصمد على حمل العفريت الى الخليفة عبد الملك بن مروان يعيد الشيطان على مرأى ومسمع منهم آخر أيام مدينة النحاس قبل هلاكها منذ عشرين الف سنة هناك حيث كثر الفساد وإزدات طبقة النبلاء والتجار ثراءً فاحشاً واشتدَ الشعب فقراً وكثر الظلم بفضل تسخير الملكة لقوة عفريتها ليصل بها الأمر في النهاية الى حد حملهم على عبادتها فينزل العفريت غضبه بها وبمدينتها فتموت المدينة المسحورة ويموت كل شيء بداخلها.
ويكثر تكرار ذكر ( الموت) في المسرحية ولهذا عدة تفسيرات فمهما تجبر الإنسان نهايته الحتمية الموت ( اموات لايخطر الموت ببالهم) ومهما يملك المرء من قوة وعز وجاه قد يكون الموت اقرب إليه من كل شيء ( وأرى الموت أقرب إليكم من اجسادكم)
تلقى ترمزين وشعبها مصيرها المحتوم بعد ان بعد دفعها غرورها الى التطاول على الذات الإلهية وبعد ان تصبح هي ومدينتها مجرد اجساد خالية من الحياة وبها الكثير من العِبر يقرر موسى بن النصير وعبد الصمد وطالب بن سهل اطلاق سراح العفريت وتركه بدلا من حمله الى الخليفة خوفاً على الرعية من تجبر الراعي ( قل لمولاك : من يحكم بالإيمان فلا حاجة به الى الشيطان).
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_