0
0
يوسف كامل
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ يعجّ عالم السياسة الدولية بالخداع والأكاذيب والمغالطات التي يستعملها السياسيون لأهداف متنوّعة، بعضها لغرض شخصي (نرجسي في الغالب)، وآخر لأهداف إستراتيجية، وقد درس أستاذ العلاقات الدولية، جون ميرشايمر، ظاهرة الكذب في السياسة الدولية في كتاب له ظهر للوجود سنة 2011 بعنوان «لماذا يكذب القادة: حقيقة الكذب في السياسة الدولية»، يتطرّق ميرشامير في الكتاب إلى أنواع الأكاذيب السياسية ويصنّفها حسب دوافعها إلى خمسة أنواع رئيسة: الكذب بين الدول، وإثارة الذُعر، والتغطيات الإستراتيجية، والأساطير القومية، والأكاذيب الليبرالية.
وُلد جون ميرشايمر في سنة 1947 بالولايات المتحدة الأمريكية، وتخرَّج من جامعة «ويست بوينت» عام 1970، ثم خَدَم في القوَّات الجوية الأمريكية لخمس سنوات، بعدها حصل على الماجستير من جامعة «كورنل» سنة 1975، ثم الدكتوراه في سنة 1980، وعمل باحثًا في العلوم السياسية في العديد من كبرى الجامعات الأمريكية.
وينتمي جون ميرشايمر إلى مدرسة «البنيوية الواقعية» في حقل العلاقات الدولية، التي تحاول الإجابة عن أسئلة دوافع الحروب والصراعات بين الدول والتنافس على النفوذ، من منطلق دراسة بنية النظام الدولي الذي يدفع هذه الدول إلى اكتساب النفوذ من أجل ضمان البقاء.
وفي كتابه عن الكذب في السياسة الدولية يفرق جون ميرشايمر بين الكذب والتلفيق (أي التركيز على جانب ما من القصّة وإهمال جانب آخر وربط الأحداث لتصبّ في اتجاه ما، وهو ما يحدث في قاعات المحاكمات بصفة روتينية من طرف المحامين)، أو التكتّم عن الحقيقة: أي حبس الحقائق وإخفائها، وهي كلّها تندرج ضمن مفهوم «الخديعة»، ثمّ يتطرّق إلى أهمّ خمسة فروع من الأكاذيب في السياسة الدولية.
1-الكذب بين الدول
ينطلق الكتاب في تحليل أسلوب «الكذب بين الدول» باقتباسٍ لافت للانتباه للدبلوماسي البريطاني هنري ووتون الذي عرّف «السفير» (يقصد دوره وماهيته) بأنّه «رجل أمين، أُرسل للخارج، ليكذب من أجل مصلحته» في دلالة على أن الكذب بين الدول سلوك شائع في العمل الدبلوماسي خدمة لأهداف سياسية.
لكن جون ميرشايمر يرى بأنّ هذا الاقتباس لا ينطبق على الواقع، فمن خلال البحث التاريخي الذي أجراه، وجد بأنّ المسؤولين السياسيين في حقيقة الأمر لا يكذب بعضهم على بعض في الغرف المغلقة بعيدًا عن أعين الرأي العام ووسائل الإعلام، بل يلجأون إلى السريّة أكثر مما يلجأون إلى الكذب كإستراتيجية للتعامل مع الآخرين لسبب رئيس هو أنّ تكلفة الكذب غالبًا ما تتجاوز الفوائد الناجمة عنه.
إذ إن الكذب في العلاقة بين الدول، خصوصًا بين الزعماء والدبلوماسيين، يؤدي إلى غياب الثقة والمصداقية بينهم، وتكفي كذبة واحدة لوصم الطرف الكاذب بانعدام المصداقية، وبالتالي تسميم العلاقة مع باقي الأطراف، وإحراق جسور التواصل مستقبلًا، أو الإحجام عن إبرام الاتفاقيات والمعاهدات مع «طرف كذّاب».
ولذلك تحرص الدول فيما بينها في الغرف المغلقة على عدم اللجوء للكذب بصورة فادحة أو موسّعة، وهنا يستحضر جون ميرشايمر مقولة أخرى لأحد رموز إسرائيل – وهي الدولة التي تتخذ من الكذب سياسة وطنية – وهو إسحاق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي قال: «من أجل إسرائيل يجوز الكذب».
ويشير جون ميرشايمر إلى نوعين من الأكاذيب بين الدول، الأول: يكمن في تضخيم قدرات الدول في سياق الحروب، من أجل إيهام الخصم بامتلاك قدرات عسكرية أكبر مما هي في الواقع؛ مما يدفع الأطراف المُعادية إلى تجنّب الاعتداء على تلك الدولة، أو مباغتتها في الهجوم.
وهو تكتيك مخادع قديم قِدم الحرب ذاتها، وتمارسه جميع الدول تقريبًا، خصوصًا أن القدرات العسكرية تدخل ضمن أسرار الأمن القومي. وهنا يمكن استحضار إعلان الرئيس المصري جمال عبد الناصر عن مشروع الصواريخ المصرية القاهر» و»الظافر» سنة 1962، رغم أن تلك المشاريع كانت بها عيوب تقنية وتصنيعية فادحة.
أما النوع الثاني من الأكاذيب فهو التقليل من القدرات العسكرية التي يمتلكها البلد، من أجل ضمان عدم استهداف تلك القدرات من طرف الدول المنافسة، أو لتجنّب العقوبات الدولية، وهنا يمكن استحضار الأكاذيب الإسرائيلية – المكشوفة عالميًا – حول عدم امتلاكها لأسلحة نووية، مُقابل انتقاداتها الشديدة لإيران حول برنامجها النووي، وعن هذا البرنامج، قال وزير الخارجية الأمريكي وعرّاب العلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط هنري كيسنجر: «إن هذا هو أحد البرامج التي ظلت إسرائيل تخدعنا بها بإصرار مستمر».
وقد تلجأ الدول إلى تضخيم القدرات العسكرية لخصومها من أجل تأليب الرأي العام الدولي عليها، وتخويف جيرانها من خطرها المحتمل، وهو ما قامت به إسرائيل ضد إيران مثلًا؛ فقد صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ إيران في سنة 1992 ستحصل على السلاح النووي في 1997، ثم صرّح في 1995 بأنّها ستحصل عليه في 2000، وصرّح في سنة 2012 بأنّها ستحصل عليه في 2013، وهكذا.
2-إثارة الذعر
تستخدم الدول أسلوب إثارة الذعر وتضخيم الأخطار الخارجية سياسةً لتبرير المغامرات العسكرية، أو لمصادرة الحقوق والحريّات في الداخل وإحكام القبضة السلطوية على المجتمع، وقمع حرية التعبير والصحافة بحجّة «الخطر المحدق بالوطن» أو المهدّد لوحدته وسلامته واستقراره.
وتستخدم العديد من البلدان العربية هذه الإستراتيجية من أجل تبرير سياساتها القمعية، سواء بحجّة «مكافحة الجماعات الإرهابية»، وهو ما تستخدمه في التضييق على الحركات الإسلامية وإغلاق المجال السياسي، وتبرير مستويات الإنفاق على ميزانية الجيش.
وقد استخدمت الولايات المتحدة أسلوب إثارة الرعب على مدار تاريخها من أجل تبرير حروبها الدائمة حول العالم، سواء خلال غزو الفيتنام عبر التخويف من «البعبع الشيوعي» أو غزو العراق، وأفغانستان، وإعلان الحرب العالمية الدائمة على «الإرهاب»، كما استغلّت حادثة 11 سبتمبر (أيلول)2001، لتمرير قوانين تكبّل الحريّات من خلال تخويلها للحكومة التجسّس على المواطنين.
كما يُستخدم أسلوب «إثارة الذُعر» للشحن والتحريض على المنافسين الإقليميين لتبرير الفشل الاقتصادي والسياسي في الداخل، وهو ما تتّخذه كل من الجزائر والمغرب سياسةً رسمية في شيطنة بعضهما البعض وحشد الرأي العام المحلّي ضد الجار، من أجل تكريس الهيمنة الداخلية وإسكات الأصوات المعارضة أو اتهامها بالعمالة للمعسكر الآخر.
كما تستخدم الحكومات في العالم العربي أسلوب «إثارة الذعر» ضد الأقليات الدينية (السنة ضد الشيعة، المسلمون ضد المسيحيين… إلخ)، أو العرقية (العرب ضد الأمازيغ)، أو الفكرية (العلمانيون ضد الإسلاميين)، من أجل التسويق لنفسها باعتبارها خطّ الدفاع الأخير أمام شبح الحرب الأهلية والتهام الأغلبية للأقلية المستضعفة، أو طغيان الأقلية على الأغلبية.
3-التغطيات الإستراتيجية (إخفاء الحقائق)
تلجأ الدول إلى التغطيات الإستراتيجية أو «إخفاء الحقائق» كنوع من أنواع الكذب من أجل التغطية على الأخطاء الكارثية الكبرى، أو الفشل العسكري الواسع على أعين العامة، من أجل ضمان عدم تأثيره على معنويات الرأي العام داخليًا، أو خشية من استغلالها من جانب الأطراف الخارجية لتحقيق مكاسب أو «تسجيل نقاط» في سياق تنافس عسكري أو سياسي.
ويمكن استحضار العديد من حالات إخفاء الحقائق الفجة في السياق العربي، لعل أشهرها هو التغطية على الهزائم العسكرية التي لحقت بالجيوش العربية – والجيش المصري تحديدًا – خلال حرب سنة 1967 ضد إسرائيل.
ففي الوقت التي كانت تتلقّى الجيوش العربية هجمات مباغة من «إسرائيل» التي نجحت في تحييد الطيران المصري من خلال تدمير الطائرات على أرض قبل إقلاعها في ساعات معدودة، كانت الصحف القومية التابعة للدولة تروّج لانتصارات عسكرية لصالح العرب، فقد عنونت مثلًا صحيفة الأهرام المصرية صفحتها الأولى بـ«لقد أسقطنا 89 طائرة للعدوّ»، في حين أن الطائرت هي المصرية هي التي كانت قد دُمّرت فور انطلاق الحرب.
مثال آخر على التغطيات الإستراتيجية يمكن استحضاره خلال الثورة التحريرية الجزائرية (1954-1962)، وتغطية الصحافة الثورية للصراعات على مستوى قيادة «جبهة التحرير الوطني»، فقد تطوّرت هذه الصراعات بين زعماء الثورة خلال سنة 1957 لتنتهي باغتيال أحد أبرز قياداتها، وهو «عبّان رمضان»، الذي جرى اغتياله من طرف رفقائه في السلاح في ديسمبر (كانون الأول) 1957، إلا أن صحيفة «المجاهد» التابعة لجبهة التحرير الوطني كانت قد نشرت بأنّ «عبّان رمضان» قد سقط شهيدًا في ساحة القتال ضد الاستعمار.
4-صناعة الأساطير القومية
تعمل الأساطير القوميّة على توليد شعور بالوحدة والتضامن بين أبناء الشعب الواحد، من خلال استحضار «تاريخ متخيّل» مليء بالبطولات والمآثر والأمجاد، مقابل شيطنة لـ«الآخر» أو العدو التاريخي أو الحطّ من شأنه وقدره.
وتعدّ الأساطير القومية لبنة رئيسة في لبنات بناء الدولة وتوحيد الأمّة خلف مشاعر التفوّق والسمو على الآخرين، ويتدخّل فيها التاريخ الحقيقي مع الأساطير والأكاذيب على حدّ سواء، بالإضافة إلى تجاهل الجوانب المؤلمة أو المخزية من تاريخ الأمة والتركيز فقط على إنجازاتها وبطولاتها، أو حتّى اختلاق تاريخ موازٍ وتحريف للحقائق ثم ترويجها على نطاق واسع وتدريسها للأجيال اللاحقة.
ومن بين الأمثلة على ذلك مزاعم الكثير من البلدان التي تصف نفسها بأنّها «مهد الحضارات» أو «مهد البشرية»، وتشكّك في المقابل في ادعاءات خصومها وجيرانها، دون أن تستند إلى آراء ومعطيات علمية حاسمة.
تهجير الفلسطينيين على يد العصابات الدولية
من بين الأمثلة التي يذكرها جون ميرشايمر عن الأساطير القومية، تلك التي ارتبطت بتأسيس دولة إسرائيل سنة 1948، ففي حين أن تأسيس هذه الدولة قام على مذبحة في حق الفلسطينيين وتهجير مئات الآلاف منهم وتدمير قراهم ومنازلهم وارتكاب إبادات جماعية في حقّهم، صنعت إسرائيل خرافة قومية من أجل التغطية على هذه الحقائق المخزية في تاريخها، قائلة بأنّ الفلسطينيين قد غادروا بيوتهم من تلقاء أنفسهم دون أي إجبار أو إرغام، وذلك بعد أن طلبت منهم الدول العربية أن يغادروا المنطقة لكي تتكفّل الجيوش العربية بتطهيرها من اليهود ليعودوا بعدها.
ويعلق جون ميرشايمر: «هذه القصة لم يتم ترويجها وقبولها بشكل واسع في إسرائيل فحسب، ولكن في الولايات المتحدة كذلك على مدى ما يقرب من الأربعة عقود، وقد أدّت دورًا أساسيًا في إقناع الكثير من الأمريكيين برؤية إسرائيل بصورة إيجابية والتعاطف معها في صراعها المستمر مع الفلسطينيين».
5-الأكاذيب الليبرالية
النوع الأخير من الأكاذيب في عالم السياسة، يسمّيها جون ميرشايمر بـ«الأكاذيب الليبرالية»، والتي تحاول تصوير الدول الليبرالية التابعة للمعسكر الغربي الأمريكي باعتبارها الأكثر احترامًا لحقوق الإنسان وللقانون الدولي، والأقلّ وحشية من منافسيها وخصومها الدوليين، وبأنّها تتورّع عن ارتكاب جرائم الحرب.
وتأتي هذه الأكاذيب من أجل الترويج لتفوّق أخلاقي غربي مفترض، مقابل باقي العالم المتوحّش، وتسوّق له هذه الدول من خلال أدوات الدعاية المختلفة من وسائل إعلام وتصريحات سياسية وأفلام حربية بطولية.
وهنا يستحضر جون ميرشايمر العديد من الأمثلة المأساوية للجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية، بداية بالحرب العالمية الثانية وإبادتها لحوالي مليون مدني ياباني، واستخدامها القنابل النووية على هيروشيما وناكازاكي، والإبادات التي شهدتها حروب فيتنام، والعراق، وأفغانستان.
كما أن هذه الجرائم المروّعة للمعسكر الليبرالي لا تحدث خلال مرحلة الحرب فحسب، فحتى خلال السلم تسبّب الغرب في العديد من الجرائم المروّعة، من بينها مقتل نصف مليون عراقي ما بين سنتي 1990 و2003 بسبب الحصار الاقتصادي والغذائي الذي فرصته الولايات المتحدة الأمريكية على العراق بعد حرب الخليج الأولى.
أكاذيب نبيلة وأكاذيب مصلحية
يفرّق جون ميرشايمر بين نوعين من الكذب على أساس الغاية من استخدامه، فهنالك أكاذيب أنانية، وهي تلك التي يُلقيها السياسيّون لأغراضهم الشخصيّة، من قبيل جلب الأصوات الانتخابية أو الإنقاص من شعبية خصومهم أو تحقيق مكاسب في إطار الصراع الحزبي، أما النوع الثاني فهو الكذب من أجل المصلحة العامة (على الأقل من وجهة نظر السياسي الذي يستخدم أسلوب الكذب).
لكن هنالك مستوى أعلى من النرجسية أو الهوس الذي يصيب السياسي، خصوصًا عندما يستمرّ طويلًا في كرسي الحكم؛ ممّا يُحدث تغييرات في شخصيته وذهنيته وانطباعاته، ويجعله لا يفرّق بين الكذب لمصلحته الشخصية وبين الكذب من أجل الصالح العام، ففي ذهنية الحاكم المستبدّ الذي يعمّر طويلًا في السلطة، تنصهر مصلحته الشخصية بالمصلحة العامة، مثلما يمتزج النظام السياسي (الذي من المفترض أن يتغيّر بصفة دوريّة عبر الانتخابات) بكيان الدولة نفسها.
حرب العراق
ولا يروّج جون ميرشايمر للأكاذيب السياسية التي تُلقى من أجل المصلحة العامة باعتبار أن نتائجها تصبّ في الصالح العام، بل إنه يتطرّق فقط إلى الدوافع التي تنطلق منها هذه الأكاذيب دون النظر إلى نتائجها وبالتالي يقع في مغالطات فادحة عند التطرّق إلى مفهوم «الكذب من أجل المصلحة العامة»؛ إذ يستشهد بأكذوبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، التي روّجتها إدارة جورج بوش ذريعةً لاحتلال العراق في 2003، وفي حين يقرّ ميرشايمر بأن هذا القرار كان كارثيًّا، وقد سجّل من قبل اعتراضه على غزو العراق، إلا أنه يؤكد في هذا الكتاب بأنّ الإدارة الأمريكية كانت تروّج لهذه الأكذوبة باعتبارها تخدم الصالح العام!
وتصطدم نظرة جون ميرشامير بالعديد من الشواهد والمعطيات التي ظهرت بعد غزو العراق، خصوصًا بالنظر إلى عقود النفط التي حصلت عليها الشركات متعددة الجنسيات التي تملك علاقات مباشرة مع نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، والذي يُعتبر لدى الكثير من المحلّلين المهندسَ الحقيقي لغزو العراق، والحاكم الفعلي للولايات المتحدة خلال عهد الرئيس بوش الإبن.
وبالتالي فإن القول بأنّ الأكاذيب التي رُوجت من أجل غزو العراق كانت دوافعها من أجل المصلحة العامة تتناقض بصورة جليّة مع مع الشواهد والأدلّة التي تؤكد استفادة النخب السياسية والمالية من هذا الغزو الذي تسبّب في مقتل مئات الآلاف من الأبرياء العراقيين.
كما يرى جون ميرشامير في كتابه بأنّ هناك «أكاذيب نبيلة» في السياسة الدولية، وهي تلك الأكاذيب التي لها انعكاسات إيجابية على الصعيد الدولي، ويلجأ إليها الساسة خشية من ردود الفعل الغاضبة من طرف الجماهير الشعبية.
وهنا يستشهد ميرشايمر بالصفقة التي جرت بين إدارة الرئيس الأمريكي جون كينيدي والاتحاد السوفيتي خلال أزمة الصواريخ الكوبية في سنة 1962، حين نقل الاتحاد السوفيتي مجموعة من الصواريخ النووية إلى كوبا، التي كانت تعد في السابق الحديقة الخلفية للولايات المتحدة؛ مما جعل تهديد الحرب النووية الشاملة أكثر احتمالية من أي وقت مضى طوال الحرب الباردة.
ومن أجل تفادي هذه الحرب التي كانت تهدّد الحياة على الكوكب، اضطرّ كينيدي إلى عقد صفقة مع الاتحاد السوفيتي، ينزع بموجبها السوفيت صواريخهم من كوبا، مقابل أن تسحب الولايات المتحدة الأمريكية صواريخها المنتصبة في تركيا، التي كانت لها حدود مباشرة مع الاتحاد السوفيتي.
لكن الشرط الذي وضعه كينيدي من أجل إتمام الصفقة، هو أن لا تُعلن الولايات المتحدة عن سحب هذه الصواريخ، كما أنّ الولايات المتحدة سوف تُنكر (أي تكذب) بصورة مطلقة إبرام هذه الصفقة بصفة تامة، وذلك من أجل تجنّب السخط الشعبي من جهة، ولكي لا تظهر بأنّها تتخلى عن شركائها في تركيا وأوروبا خلال الحرب الباردة، ورغم أن هذا الإنكار الأمريكي كان عمليًا «كذبًا» على الرأي العام الأمريكي، فإنّه ساهم في إنهاء أزمة الصواريخ الكوبية، وألغى التهديد بحرب نووية شاملة بين قطبي العالم حينها.
عربي بوست
