حاوره: زياد علي درويش
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_جاء من أقدم مدينة مأهولة عرفها التاريخ، هارباً من شبح الحرب الذي طارد ملايين السوريين، وعندما وطأت قدمه أرضاً ثابتة بدأ بصناعة حاضره ومستقبله ليكون رسولاً من شعب صنع تاريخاً مجيداً إلى مستقبل يتطلع للمجتهدين والمثابرين، ورسولاً من شعب عاش الاضطهاد والظلم إلى شعب يُومن بأن الحياة الكريمة حقٌ لكل البشر، ليقول لهم نحن هنا ونستطيع أن نصنع الكثير إن وجدنا الأرض ثابتة تحت أقداماً، وهذه المقدمة ليس لمدح فرد واحد يسير في طريق المستقبل، بل هي مديح لشعب تعب واجتهد وثابر وحقق الكثير في مختلف دول العالم عندما وجد الأرض الثابتة والفرصة المناسبة، هذه المقدمة هي مديح لشعب برع في إيصال رسالته إلى كل العالم بأنه قادر على الوصول لأعلى المراتب في مختلف مجالات الحياة، وأن ما يحققه في مختلف الدول هو حقيقة وواقع هذا الشعب، وأن ما كان يعيشه في فترة استمرت لأكثر من خمسة عقود هي الاستثناء الذي لا يجب أن يُنظر إليه، وأن الأفعال غير الجيدة التي يقوم بها القلة القليلة من هذا الشعب العريق لا يتعدى أن يكون شوكة في حقلٍ من الورود والأزهار التي تمتع العيون بجمال منظرها وتزكي الأنوف بعبق أريجها.
ولقاءنا هذا ما هو إلى حديث بسيط مع وردة سورية بدأت بنشر رائحتها العطرة على الأراضي المنخفضة وهو يوسف درويش الذي ولد على أرض سورية وبالتحديد على تراب مدينة حلب الشهباء عام 1998، قبل أن تدفعه الحرب التي شنها النظام البائد على شعبه لمغادرتها في عمر السابعة عشر وتطأ قدمه أرض هولندا عام 2015، ويبدأ حياته من جديد واضعاً هدفاً واضحاً لنفسه في التعلم وإثبات وجودي في مجتمعه الجديد.
يوسف درويش سؤالي الأول لك، ماذا تحدثنا عن البدايات في حياتك الجديدة؟
بصراحة أرى أن حزب الحرية PVV برئاسة خيرت فيلدرز كانت فاشلة بكل المقاييس، فهم وعدوا الناس بتغيير كبير، لكنهم لم يقدموا شيئاً ملموساً على أرض الواقع، قالوا أنهم سيخفضوا تكاليف التأمين الصحي (eigen risico) ولم يحدث أي تخفيض، والتضخم ارتفع أيضا، والوضع المعيشي أصبح أصعب مما كان عليه من قبل، فسياسة حزب PVV لم تكن قائمة على حلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع الهولندي، بل كانت قائمة على الشعارات فقط، وبقراءة بسيطة لفترة حكومة PVV نرى أن هذه الحكومة أضاعت سنتين من الوقت من دون أي نتائج حقيقية، وهذا ما جعل الناخب يفقد الثقة باليمين المتطرف أكتر، أما عن مستقبل هولندا وعلى الرغم من كل شيء، أنا متفائل، فقد أظهرت الانتخابات أن المجتمع الهولندي يريد التغيير الإيجابي، وخاصة أن الوعي سياسي عند الشباب الهولنديين يتزايد، وهذا ما يجعلني أقول أن متفائل بأن المرحلة المقبلة ستكون أفضل.
كانت البداية والمفتاح الصحيح للحياة الجديدة فعملت على تعلم اللغة الهولندية وحمد الله وتوفيقه أستطعت إتفانها بسرعة، وهذه السرعة مكنتني اليوم من متابعة دراستي وأنا اليوم أدرس في هندسة الطيران في جامعة أمستردام للعلوم التطبيقية “HvA”.
وماذا تحدثنا عن تجربتك بالاندماج في المجتمع الهولندي؟
تجربتي بالاندماج بالمجتمع الهولندي كانت رحلة طويلة، بدأتها بالعمل التطوعي مع منظمة VluchtelingenWerk Nederland، وكنت أساعد القادمين الجدد باستلام بيوتهم وترتيبات الأوراق واشتراكات الكهرباء والمياه، وكل التفاصيل الصغيرة التي تمكنهم من بداية حياة جديدة بمنتهى الراحة وبشكل قانوني، بعدها عملت مع منظمة ElanArt، وهي منظمة تعمل على دمج القادمين الجدد بالمجتمع الهولندي من خلال الفن والثقافة، وعملنا على مشاريع رائعة جمعت الهولنديين مع اللاجئين من خلال المسرح والرسم والموسيقى، واستطعنا أن نخلق مساحات تواصل حقيقية بين العالمين، وفي عام 2019، فزنا بجائزة
Appeltje van Oranje وهي من أهم الجوائز الاجتماعية في هولندا، وتلقينا التكريم من الملك ويليام ألكسندر والملكة ماكسيما شخصياً في قصر Noordeinde في دنهاخ “لاهاي”، وكانت لحظة لا يُمكن أن أنساها في حياتي أبداً، لأنها حرفياً نقلتني من “الكامب” إلى “قصر الملك”، ومن مرحلة الانتظار واليأس إلى لحظة التقدير والاعتراف.
جعلتني أشعر من كلامك عن التكريم أن يوسف درويش ما قبل التكريم، ليس كيوسف درويش ما بعد التكريم، فما الذي تغير في شخصيتك وطريقة تفكيرك؟
تماماً، لأن هذا التكريم وهذه التجربة جعلتني أكثر إيماناً بأن العمل الإنساني سبيل لتغيير مصائر الناس للأفضل، وجعلتني أشعر بلحظات من الفرح والفخر عندما أرى هؤلاء الناس بوضع أفضل ومريح أكثر، ولعل هذا العامل الأساسي الذي جعلني أهتم بالسياسة أكتر، لأني أدركت أن التغيير ليس بالمجتمع المدني فقط، بل يجب أن يكون من خلال السياسات والقرارات الحكومية التي تنعكس بشكل إيجابي على كافة أفراد المجتمع دون استثناء.
قبل الخوض في العمل السياسي، أعود لأقول أن كلامك كله عن العمل التطوعي، ومن المعروف أن إتقان اللغة وإيجاد عمل مناسب أساس الحياة، فماذا عن العمل في حياتك الجديدة؟
نعم هذا مؤكد وتعلمي اللغة مكنني من دخول سوق العمل الهولندي إلى جانب دراستي، وأنا أعمل حالياً في شركة Nationale Nederlanden ضمن قسم التأمينات، وعملي يتطلب دقة وإلتزام بالقوانين، وبالتأكيد القدرة على تحمل المسؤولية، وهذا ما جعلني أفهم طبيعة عمل المؤسسات الهولندية من الداخل بشكل أكبر.
لنعود الآن لعملك السياسي، بعد أن تحدثنا عنك شخصياً وإجتماعياً، من هو السياسي يوسف درويش؟
أنا عضو في حزب العمل “PvdA” ومتعاون مع حزب “GroenLinks” في بلدية Wijchen،
وأشغل حالياً منصب عضو لجنة في المجلس البلدي.
هذا حالياً حبذا لوتحدثنا عن بداية عملك السياسي في هولندا لنصل إلى المستقبل الذي تنشده؟
اهتمامي بالسياسة بدأ عندما تمت دعوتي من حزب D66 لحضور لقاءات عن المشاركة السياسية، وهناك إلتقيت الوزيرة الهولندية Sigrid Kaag، التي كانت تقود ملف الأسلحة الكيميائية في سورية بإسم الأمم المتحدة.
اللقاء معها كان نقطة تحول كبيرة بالنسبة لي، وصرت أقرأ كثيراً عن الأحزاب الهولندية وأفكارها وقيمها ورأيت أن قيم حزب العمل PvdA “العدالة الاجتماعية – المساواة – والدفاع عن الفئات الضعيفة” الأقرب إلى قناعاتي فقررت الانضمام لهذا الحزب وانضممت له.
قبل أن أنهي هذا اللقاء لابُد أن أسألك، كرجل سياسي ما رأيك بفترة حكم حزب PVV والانتخابات الأخيرة، ومستقبل هولندا القريب؟
هولندا 24
