
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_يواجه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز واحدة من أخطر الأزمات السياسية في مسيرته، وسط تزايد الدعوات داخل الحزب الاشتراكي لإجراء انتخابات مبكرة، بعد سلسلة فضائح فساد تهدد بإلحاق ضرر بالغ بصورة الحزب ونتائجه المحتملة على المستوى الوطني والمحلي.
وعلى الرغم من الدعم العلني الذي يحظى به سانشيز من قبل قيادات البلديات والمناطق، فإن الكثير منهم يعربون، خلف الأبواب المغلقة، عن قلقهم من أن استمرار سانشيز في منصبه قد يُلحق أضراراً فادحة بآفاقهم الانتخابية، خصوصاً مع تآكل ثقة الناخبين بالحزب نتيجة الارتباط المتزايد باسمه في ملفات فساد رفيعة المستوى.
أحد المسؤولين المحليين في الحزب، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، قال: “لا أرى كيف يمكن لسانشيز قلب المعادلة خلال العامين المتبقيين من ولايته. ربما من الأفضل أن نخسر الآن ونحاول استعادة الثقة قبل الانتخابات المحلية في 2027”.
وتتزايد حدة الأزمة منذ نشر تقرير لوحدة العمليات المركزية التابعة للحرس المدني، يشير إلى وجود أدلة على تورط سانتوس سيردان، ثالث أعلى مسؤول في الحزب، في تلقي رشاوى مقابل عقود حكومية.
وقد استقال سيردان من منصبه وتنازل عن مقعده في البرلمان، في ضربة مباشرة لهيبة قيادة الحزب، خصوصاً أن سانشيز عيّنه بنفسه وكان يعتبره من أقرب حلفائه.
وفي محاولة لاحتواء الغضب، ألقى سانشيز خطاباً متلفزاً أعلن فيه “إجراءات حاسمة”، شملت تطهيراً داخل قيادة الحزب وتعيين فريق انتقالي، إضافة إلى إطلاق تدقيق مالي خارجي في موارد الحزب.
لكنه رغم ذلك لم ينجح في تهدئة الغضب الشعبي أو تهدئة التململ الداخلي، إذ وصف أحد قادة الحزب هذه الإجراءات بأنها “كوب ماء يُلقى على نار مشتعلة”.
في مدينة ميريدا، خرج رئيس بلديتها أنطونيو رودريغيز أوسونا ليعبّر علناً عن استيائه، داعياً سانشيز لعقد مؤتمر حزبي استثنائي لمراجعة قيادته. وأضاف: “لو كنت مكانه، لما ترشحت مجدداً”.
ومع تعمق الأزمة، بدأت ملامح التآكل السياسي تظهر، مع مخاوف من فقدان الاشتراكيين سيطرتهم على بلديات مهمة مثل ليون، بلنسية وسوريا، كما قد يُقوض استمرار سانشيز محاولاتهم لاستعادة منطقة فالنسيا، رغم تراجع شعبية حاكمها الحالي كارلوس مازون المنتمي لحزب الشعب، بسبب إخفاقه في إدارة أزمة الفيضانات.
تقرير لصحيفة إل باييس نقل عن عشرين قيادياً اشتراكياً بارزاً تأكيدهم أن الوضع بات “لا يُحتمل”، وأن البقاء لعامين آخرين في ظل هذه الضغوط قد يكون انتحاراً سياسياً جماعياً.
ورغم أن سانشيز يُعرف بقدرته على الخروج من الأزمات، فإن مراقبين يعتبرون أن الأزمة الحالية قد تكون الأكبر. فظهور فضيحة فساد على صلة بأقرب مساعديه السياسيين أربك حساباته تماماً. وقد بدت عليه علامات الانهيار في خطابه الأخير، قبل أن ينسحب لعدة أيام من المشهد العام ويعزل نفسه في مقر ريفي خارج مدريد.
بابلو سيمون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كارلوس الثالث، قال إن الحزب يمر بـ”مراحل أولى من أزمة قد تتفاقم”، خصوصاً مع احتمال ظهور مزيد من الأدلة على تورط مسؤولين حاليين.
وأشار إلى أن سانشيز “ما زال يسيطر على الحزب بقوة، وليس هناك قوة داخلية قادرة على الإطاحة به، حتى وإن بدا ضعيفاً ومثخناً بالجراح”.
من جهة أخرى، لا تُبدي المعارضة من حزب الشعب استعجالاً في الدعوة إلى انتخابات مبكرة. وقال المتحدث باسم الحزب، بورخا سيمبر، إن استمرار سانشيز في السلطة يُضعف الاشتراكيين يومًا بعد يوم، واصفًا إصراره على البقاء بأنه “اختيار لموت بطيء ومؤلم”.
ومع استمرار الضغط من الداخل والخارج، تتجه الأنظار إلى ما إذا كان سانشيز سيصمد أمام العاصفة، أم أن حزبه نفسه سيضطر في النهاية إلى التضحية به حفاظاً على بقائه السياسي.
أوروبا بالعربي